س- ماذا أضافت رحلتكم الأخيرة إلى موسكو والمباحثات مع المسؤولين السوفيات والبلدان الاشتراكية الأخرى؟
ج- نعتبر الزيارة التي قام بها وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى الاتحاد السوفياتي والى بعض البلدان في المنظومة الاشتراكية من أهم الزيارات التي قمنا بها إلى هذه البلدان.
إنها شكلت نقطة انعطاف رئيسية وهامة في العمل الفلسطيني بشكل عام وفي العلاقات بيننا وبين الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية بشكل خاص.
كانت الزيارة ناجحة إلى ابعد حدود النجاح كانت فوق توقعاتنا وقد تجلى ذلك في المحادثات التي أجريناها مع المسؤولين السوفيات على اختلاف مواقعهم ومستوياتهم وفي الروح الرفاقية التي رافقت جميع مراحل المباحثات والأبحاث والأحاديث والملاحظات.
لن أتوقف كثيرا عند التكريم والعناية والرعاية وحسن الضيافة التي قوبل بها الوفد ولكن لا بد أن نسجل هنا أنها اتصفت بمعاملة رسمية رفاقية تجاوزت حدود البروتوكول إلى ما نسميه في منطقتنا العربية بحسن الوفادة.
واتسم جميع ما دار بيننا وبين الرفاق الأعزاء بروح المسؤولية وبأهمية الدور الذي تقوم به الثورة الفلسطينية في المنطقة العربية ي الحاضر وفي المستقبل وتركزت بشكل أساسي في مستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه القومية والوطنية.
وبلا تردد يمكن القول أن هذه الزيارة تعتبر مرحلة انتقال جديدة في العلاقات الأساسية بيننا وبين الاتحاد السوفياتي وبلدان المنظومة الاشتراكية وقد كرس هذه المرحلة من العلاقات التجاوب الذي لمسناه لدى الإخوة المسؤولين الذين قابلناهم وعلى كافة المستويات والاستجابة لمعظم ما طرحته الثورة الفلسطينية من مستلزمات تحتاجها في المرحلة الراهنة.
ولا بد أن نسجل هنا التجاوب الشعبي الذي عكسته أجهزة الإعلام السوفياتية والبولونية والألمانية وكذلك المؤسسات والمنظمات الشعبية والنقابات التي أبرزت بشكل خاص تجاوبها العميق مع الشعب الفلسطيني ممثلا في منظمة التحرير الفلسطينية.
س- ما هي حقيقة الموقف الرسمي السوفياتي من منظمة التحرير الفلسطينية؟
وما هو الفهم السوفياتي لحقوق الشعب الفلسطيني كما تجلى في مباحثات موسكو؟
ج- نستطيع القول أن افتتاح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في موسكو هو حدث هام في مسار الاعتراف الدولي بالشعب الفلسطيني وكذلك الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثلة الشرعية للشعب الفلسطيني وفقا لقرارات مؤتمر القمة العربي في الجزائر ومؤتمر القمة الإسلامي في لاهور.
انه تثبيت وتجسيد لهذا الاعتراف بالشعب الذي يجتاز العام العاشر هذه السنة من عمر ثورته موطدا وجوده في الساحة العربية والدولية باعتباره فصيلا أساسيا من فصائل حركة التحرر العربية والعالمية.
وفي هذا المجال لا بد وان نتذكر مؤتمر يالطا فعندما طرحت قضية الشرق الأوسط وقضية الشعب الفلسطيني من ضمنها بشكل عام لم يكن كثيرون في الساحة الدولية يشعرون بأن لهذا الشعب قضية.
والآن ماذا نجد ؟ لقد استطاع هذا الشعب أن يفرض وجوده من خلال نضاله ونجد هذه القائمة الطويلة جدا من الأصدقاء يدعمون نضاله ويساندون مسيرته ويعترفون بوجوده وبنضاله وبحقوقه القومية والوطنية وتلك هي إحدى المعجزات التي صنعتها ثورة الفاتح من يناير كانون الثاني 1965.
لقد أشارت البيانات الصادرة عن المباحثات الأخيرة إلى قرارات مؤتمر القمة العربي ومؤتمر القمة الإسلامي التي تقول بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة شرعية وحيدة للشعب الفلسطيني وبإحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفقا لما تقرره منظمة التحرير.
وأضافت هذه البيانات ولأول مرة ميثاق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالفلسطينيين مما يعتبر قفزة نوعية سياسية ودبلوماسية على صعيد النظرة الدولية للقضية الفلسطينية .
إن هذا التطور ينسجم مع موقف الاتحاد السوفياتي المتطور دائما في اتجاه مصلحة شعبنا الفلسطيني انطلاقا من العلاقات القوية والمتينة التي تربط الثورة الفلسطينية بأصدقائها في المنظومة الاشتراكية.
س- هل تستطيعون القول أن هذا الفهم لحقوق الشعب الفلسطيني يتجسد في التزام سوفياتي في الميادين والهيئات الدولية؟
ج- لا بد من الإشارة إلى أهمية ما حدث وما تجسد انه يعني بكلمات بسيطة ولكنها فعالة ومؤثرة للغاية إن الاتحاد السوفياتي وسائر بلدان المنظومة الاشتراكية قد أصبحت انطلاقا من نتائج ما حدث وتجسيدا لتفسيرات الرفيق ليونيد بريجنيف في أكثر من مناسبة وأكثر من بيان مشترك حول فهمه لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية قد أصبحت تلتزم التزاما ومؤثرا لصالح الشعب الفلسطيني في كافة الميادين المحلية والدولية وعلى كافة المستويات.
س- كيف تقيّمون تأثير هذا المستوى من الاعتراف السوفياتي بمنظمة التحرير الفلسطينية على المحاولات الجارية لسحب شرعية التمثيل من منظمة التحرير اقصد على الصعيد العالمي وعلى الصعيد العربي؟
ج- نحن كمنظمة تحرير لم ننجز الاعتراف بنا من قرارات أو بفضل قرارات ولكننا حققنا هذا الاعتراف من خلال نضال شاق وطويل كرسته دماء شهدائنا وجرحانا وجسدته آلامنا وعذاباتنا التي بلغت في هذه الحقبة الصغيرة من عمر الثورة 37 ألف شهيد وجريح و18 ألف معتقل وأسير و19 ألف مسكن مدمر ومنسوف داخل الأرض المحتلة بالإضافة إلى أنواع العذاب الأخرى في الشتات وتحت الاحتلال من قهر وظلم واضطهاد وتعذيب .
لقد انطلقت البندقية الفلسطينية في أسوأ الظروف وفي أحلك الساعات وفي اخطر المراحل انطلقت البندقية لتدعيم نضال هذا الشعب ولتثبيت شخصيته ولتجسيد وجوده ولتزيد وحدته التحاما ولتنتزع من خلال هذه التضحيات شرعيتها النضالية.
إن شرعيتنا هي دمنا ونضالنا.
إن شرعيتنا هي موقعنا في جبهة الصدام الأولى وصمودنا في الامتحانات القاسية على امتداد عشر سنوات من كفاحنا المسلح الجديد.
س- هل تتوقعون أن يؤدي تعميق العلاقات مع موسكو إلى بعض الارتباك في معادلة العلاقة بين المقاومة وبين بعض الأنظمة العربية؟
ج- وضعت الثورة الفلسطينية في سياستها التي أقرتها منذ الطلقة الأولى عام 1965 خطوطا سياسية واضحة في العلاقات العربية والدولية مع الأصدقاء ومع الأشقاء ونحن حريصون على هذه الخطوط وعلى تطبيقها بما يخدم مصلحة قضيتنا ومستقبل شعبنا ويجند كافة الطاقات الصديقة والشقيقة في خدمة هذه القضية.
انطلاقا من هذا الحرص استطاعت الثورة الفلسطينية أن تمد جسورها بحرية كاملة من ناحية ويتفهم كامل من قبل جميع الأطراف لهذه السياسة الثورية الأصيلة الثابتة من ناحية أخرى وذلك ما أعطى الثورة الفلسطينية هذا القدرة الواسعة على التحرك في كافة الميادين والقفز على كثير من الحساسيات التي قد تصيب البعض.
ونحن متأكدون انه ما من مسؤول عربي يشعر بثقل الخصومة التي تواجه الثورة الفلسطينية وبشراسة الهجمة التي تنقض على الشعب الفلسطيني إلا ويقدر هذا الوضع بتفهم كامل.
ونحن لا ننسى أن هؤلاء الأصدقاء كانوا ولا يزالون أصدقاء حقيقيين أوفياء لنضال الشعب الفلسطيني والأمة العربية في صراعها الحضاري ضد هذه النازية الجديدة التي تمثلها إسرائيل كرأس جسر للاستعمار والامبريالية العالمية.
س- بماذا تقيّمون هذا الموقف موقف الأصدقاء من الصراع بيننا وبين العدو الإسرائيلي؟
ج- ينبغي أولا أن نغوص في أعماق هذا الصراع أهدافه دوافعه مقوماته وتحالفاته.
إن الثورة الفلسطينية لا تمارس ثورة تحررية عادية ولكنها تخوض صراعا حضاريا من نوع متفرد بالنسبة لحركات التحرر في العالم فشعبنا يواجه الفكرة الصهيونية ذات الامتدادات العالمية على المستويات الاقتصادية والسياسية والإعلامية والعسكرية تشابك مصالحها تشابكا عضويا مع حركة الاستعمار العالمي منذ القرن التاسع عشر حتى الآن وتشكل رأس جسر للامبريالية العالمية والاحتكارات الدولية لا تنحصر أخطاره وتهديده فيما ألحقه بالشعب الفلسطيني من تشرد واحتلال وقهر وتعذيب وتشتيت بل يتسع مداه ليشمل تهديداً أوسع من دائرة التفاعل الفلسطيني إلى دائرة التفاعل العربي والشرق أوسطي والعالمي.
وهذا هو سبب الدعم اللامحدود الذي تلقاه الصهيونية العالمية التي تجسد إسرائيل نقطة انطلاق مطامحها العدوانية والتي التقت لقاء استراتيجيا بالمصالح الامبريالية والاستعمارية المعادية على امتداد تاريخها.
في هذا السياق لا بد من أن نمثلها بشبيهتها في القرن السابع عشر : شركة الهند الشرقية التي بدأت ببومبي واتسعت لتحتل شبه القارة الهندية.
لذلك فان الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني منذ سنة 1917 هذا الصراع العنيف المتواصل جيلا بعد جيل والذي تكرسه الثورة الفلسطينية الآن لم يكن دفاعاً عن مصالح إقليمية محلية بحته ولكنه كان نضالا للدفاع عن امتنا العربية في مواجهة هذه الغزوة الصهيونية الامبريالية تماما كما جابهت امتنا الغزوة الصليبية والتترية.
من هنا نعثر على نقطة الارتباط الحقيقي والأصيل التي تصل نضالنا بحركة النضال العربي والعالمي وفي حصيلة هذا الالتقاء المتين يشكل نضالنا مركز استقطاب أساسي وثوري ضد أعداء الإنسانية وأعداء الشعوب الذين يضطهدون الشعوب ويسطون على مصيرها وثرواتها.
ومن هنا يتسم النضال الفلسطيني بهذه الأبعاد الإنسانية العميقة والعريضة لأنه يشكل تاريخيا رافعة الصمود للنضال العربي وهذه هي مواطن القوة في العلاقات بيننا وبين حركة التحرر العالمي والبلدان الاشتراكية التي ترفض الاستغلال والاستعمار والامبريالية.
(شؤون فلسطينية، العدد37، بيروت، 15/9/1974، ص5)