عام التصعيد والتلاحم
ايها الاخوة رفاق النضال،
ايها الاخوة رفاق السلاح،
يوم ان انطلقت الثورة الفلسطينية في الفاتح من عام 1965 واجهت التحديات منذ اللحظة الاولى، لانها كانت تدك عهود الظلم والتيه بسواعد ثوارها الذين زادتهم الايام والمحن اصرارا وعنادا وقوة.
يومها قيل باستخفاف انه لن يصدر البلاغ العاشر. والآن ها نحن نودع عامنا العاشر ونستقبل العام الجديد، عاما هاما من عمر ثورتنا المظفرة في مسارها على الدرب الكبير حاملة في طياتها معاني عظيمة وسامية، وتؤكد بان هذه الثورة الرائعة هي ثورة شعبنا المثابر الصامد تسير وفي ركابها الخير والتصميم وتتحرك وفي اعطافها العزة والارادة. وتسجل في كل هذا التحرك ارادة شعبها الذي لا يقهر ونثبت في مجموع هذه المسيرة تصميم امتنا التي لا تلين، وتقرع ابواب التاريخ بقوة وعزيمة واخلاص وتفان تسطره وتتعانق معه في ابداع ثوري متسام ونسج نضالي فريد. ولتترك بصماتها القوية الواضحة على التراث العربي وتتلاحم مع الحضارة البشرية تغذيها وتتغذى منها وترفدها وترفد منها على ايقاع الكفاح مع حركة المد الثوري المستمر.
عشرة اعوام مضت يا رفاقنا ويا اخوتنا ويا احباءنا وفي كل يوم عمل ونضال وفي كل سنة كفاح واصرار تتلاحق فيها الايام والاشهر والسنون بما حملت في طياتها من آلام ومتاعب ومآس وذكريات. وما انطوت عليها الاحداث العظام من انتصارات ومكاسب وما صاحبها من نكسات وتراجعات.
ولكن الثورة بالرغم من تكالب اعدائها من الامبرياليين الدوليين والصهاينة الغزاة وبالرغم من تكاثر وتجمع المؤامرات عليها بقوة وتركيز، استطاعت وبكل الايمان والتحدي في جذورها واسسها ان تخترق طريقها وتشق دربها حاملة معها من الجراح اثخنها ومن الآلام اشقها ومن الانتصارات بسماتها. وهي في زخمها هذا وفي تحريكها ذاك انما كانت تصنع المعجزة مع التكامل الرائع في مسار الثورة العظيم. وتشكل مع جميع المناضلين وجميع الثوار من اجل الحرية في العالم كله هذه الجبهة القوية المتراصة لتصنع تراثا حيا ومتجددا للانسانية المعذبة، ولتضع حدا للاضطهاد والظلم وللاستعباد والاستعمار الذي ترزح تحت وطأته البشرية التي تقف اليوم متكاتفة متعاونة امام طغيان القوى الامبريالية والمؤامرات الصهيونية وجشع الاحتكارات العالمية.
وثورتكم وهي تحث الخطى في هذه المسيرة الصعبة والقاسية لا تنسى انها مع اخوانها المناضلين في امتنا العربية وانها جزء لا يتجزأ من حركة التاريخ فيها ومنها. ولا تنسى اصدقاءها الاوفياء في الدول الاشتراكية الصديقة ودول عدم الانحياز والدول الاسلامية الشقيقة ورفاق السلاح في حركات التحرير في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، واننا جميعا نقف في خندق نضالي واحد.
يا رفاق الدرب الثوري،
كثيرة هي الملاحم الثورية التي خاضتها ثورتكم الاصيلة في مراحلها الماضية وفتراتها السابقة. ولكن هذا العام الذي انصرم تميز عن غيره من اعوام الكفاح بتلاحق في الاحداث لم يشهد له مثيل سابق في إتون معاركنا النضالية عبر السنوات السابقة، فقد تميزت هذه الحقبة من الزمن بعديد من الملاحم خضناها سويا على اكثر من صعيد وفي اكثر من درب داخل الارض المحتلة حيث شهدت هذه الارض الطيبة تكيفا ملحوظا وقويا للعمل العسكري من خلال تصاعد عمليات ثوارنا. وتصعيدا موسعا للعمل الجماهيري عبر التنظيمات الشعبية والجماهيرية، والتي تركزت في الجبهة الوطنية داخل ارضنا المحتلة باعتبارها الذراع السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بين جماهيرنا في ارضنا المحتلة.
وكذلك تميزت بوعي كبير وبصورة فائقة من صور الكفاح الشعبي البطل، ولتعطي برهانا ثابتا للالتحام المتعاظم بين الشعب وثورته وبين الجماهير وقيادتها معلنة باصرار وعناد اروع اطار للاستفتاء الشعبي الحقيقي، طالما حاولت القوى المعادية لشعبنا ان تطمسه وطالما جهدت جهود العدو الصهيوني وحلفائه وعملائه ان تنال منه وتشكك فيه. بل لقد اتى في وقت هام ودقيق من نضالنا ليعطي هذا التلاحم الرائع صورته الحقيقية، وليحيط الثورة بهذا الدرع المتين من قوى وجماهير شعبنا. وليهيب الامثولة المقدسة على مدى تعاظم المد الشعبي واهميته في دعم الثورة ودفعها بقوة وثبات في دربها الطويل.
ويتعاظم اللحن الثوري من خلال الدماء الزكية البريئة التي سالت لتتوج هذا كله باعمق معاني التضحية والفداء من خلال استشهاد الزهرتين البطلتين منتهى ورباب مع بقية من استشهد من اهلنا اثناء انتفاضة التحدي امام دبابات العدو وحرابه ورصاصه.
وتتكامل هذه الصورة وتتلاحم مع صور الصمود والبطولة التي تقفها جماهيرنا العظيمة في مخيماتنا واهلنا واشقائنا في الجنوب اللبناني، تتصدى باجسادها بلحمها بدمها وحشية الصهاينة ومدفعيتهم ونابالهم وقنابلهم.
وتقف الجماهير الصامدة الصابرة والمثابرة في وجه هذه الهدايا الامريكية الصهيونية التي تنهال عليهم. بكبرياء عظيم وصبر اصيل وصمود رائع لهذه الجماهير المكافحة.
وكأنه يا رفاق السلاح قدر اسطوري لشعبنا البطل ان يسخو في العطاء وعلى اكثر من جهة وفي اكثر من موقع عطاء سخيا، ويتصدى لآلة الحرب الجهنمية التي يمتلكها عدونا والتي تهيلها عليه امريكا حليفته الدائمة وحاميته المستمرة، ولا يجد شعبنا في احيان كثيرة الا مهجته يطعمها لجنازير دباباتهم ومدرعاتهم ولتدمير قنابلهم وصواريخهم. وكأنه يحاول بذلك ان يصنع من اجساده موانع لتعميق هذا العدو الغازي من اكمال اجتياحه للربوع كلها.
فما اعظمك يا شعبنا المعطاء، يا شعبنا البطل يا شعب الكبرياء والبطولات، يا شعب التضحيات والشهداء
بوركت من شعب اصيل تنتمي بحق وصدق إلى هذه الامة العربية العظيمة: امة التحديات والخلود، امة العزة والسؤدد.
يا اخوتي رفاق الدرب،
كيف كان الصمود، وكيف كان الثبات، وكيف كان التحدي. تلك هي قصة تروى وستروى للاجيال القادمة. ترويها اجيال الثورة وصناعها وحملة مشاعلها. يرويها اولئك الذين سيكتب لهم ان يعبروا الجسر البشري الذي تنسجه الثورة من اجساد الشهداء وآلام الضحايا وعذاب الجراح للمستقبل. للغد المشرق. للاجيال القادمة. يرويها هؤلاء بكل فخر واعتزاز وكبرياء بأسطر ساطعة ناصعة في سفر التكوين الحي لمستقبل امتنا وغدها المشرق وبالعلامات المضيئة على الطريق الطويل طريق النضال الشاق والصعب. ولتكون برهانا قويا على صلابة هذه الثورة. وروعة هذه الثورة. وقدرة هذه الثورة بالرغم من كل ما احاط ويحيط بها من المؤامرات والمتآمرين ومن المكائد والدسائس ومن المعاناة والمصاعب ومن الاهوال والآلام. ومع ذلك تتقدم ثورتكم لتشق بعزيمة اصيلة وارادة جبارة رافعة راية النضال عالية وعلم الثورة خفاقا.
يا شعبنا الصامد المثار،
لقد كانت السنة المنصرمة سنة حافلة بآلام كثيرة، ومصاعب جمة، حاولت قوى كثيرة ان تنال من وحدتنا ومن تراص صفوفنا. حاولت ان تنفذ -"عبثاً"- إلى اللبنات القوية متوهمة انها تستطيع ان تهز قناعات الثوار بزيف السراب، وان تضعضع ايمان المناضلين اكاذيبهم.
ولكن الشعب والثورة كانا اقوى من كل مخططاتهم واصلب من كل دسائسهم. وبقيت الثورة شامخة اصيلة، ثابتة الجنان، عزيزة الجانب، وظل الشعب وفيا للمسيرة النضالية في دربها الثوري الكبير.
وتوجت هذه المسيرة الثورية بكل هذا الزخم من الانتصارات المتتابعة على كل صعيد وفي كل اتجاه. في الاصعدة العربية وفي الاصعدة الدولية. مع العمل العسكري ومع العمل الشعبي. من خلال التحرك السياسي والتحرك الديبلوماسي، وكانت في كل خطوة تخطوها تثبت قضايا شعبها واهداف امتها.
رغم كل ما حيك حول شعبنا الاصيل وما خطط له من قبل الامبريالية العالمية والصهيونية الغادرة ومن القوى العميلة في منطقتنا. استطاع الثوار -الثوار الحقيقيون- ان يتجاوزوا المحن الكثيرة والآلام المتشعبة ليصبوا في هذا النهر الخالد، نهر العطاء الثوري دماءهم وارواحهم وتضحياتهم. يهبونها مختارين بلا ملل او تردد وبكل الكبرياء الثوري المتأصل في نفوسهم.
وليصنعوا المعجزة وليفجروا الطاقات الكامنة ويسطروا الملاحم الثورية لتتهاوى الاساطير الباطلة امام هذا العناد الجبار لشعبنا وثواره. وتنحسر اللجج بعد طوفانها الصاخب، فلا يبقى الا الجلمود الثوري المتسامى المقدس لهذا الشعب وثواره يصهرون في بوتقة نضالهم وكفاحهم كل المعطيات وكل الايجابيات وليحولوا إلى حقائق مادية ثابتة راسخة في منطقتنا العربية، بأن هذه الارض عربية، وستظل عربية ولن يبقى فيها الا ارادة واحدة هي ارادة امتنا العربية العظيمة.
ويظل الثائر كحقيقة ازلية في تراثنا الوطني قابضا بيد من حديد على بندقيته لتظل مشرعة تحمي اغصان الزيتون في ربوعنا الحبيبة خضراء يتفيأ بظلها اطفال الغد وجيل الغد من شعبنا وامتنا. بل ان ايمانه العظيم يتزايد بعظمة وخيلاء وهو في مكمنه وفي معسكره وفي اعالي جبالنا وبين احراش ودياننا وفي سهولنا الخضراء وفي صحارينا الدافئة، يظل يترنم باهازيجنا الشعبية الحبيبة واثقا من خطاه متأكدا من حتمية انتصار شعبه وثورته.
يا شعبنا العظيم،
يا ثوارنا الابطال،
يا مناضلينا المثابرين،
لتتحد كل الجهود ولتتعانق جميع البنادق ولتتلاحم جميع الايدي لمواجهة المرحلة المقبلة. لمواجهة العام الجديد بكل ثقة واطمئنان وثبات وتحد، لمواجهة العام الجديد من عمر ثورتنا، عام التصعيد والتلاحم الثوري.
وما يترتب على هذا من مسؤوليات جسام كثيرة واعباء ثقيلة وخطيرة وكفاح مكثف ومركز ينفذ فيه المناضلون إلى الافاق النضالية الجديدة بخطوات واثقة وايقاعات مؤمنة ثابتة وبعزيمة لا تكل وارادة لا تلين.
وانها لثورة حتى النصر
اخوكم
ابو عمار
1/1/1975