كلمة سيادة الرئيس ياسر عرفات
رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية
كلمة تنصيب المجلس التشريعي الفلسطيني
7/3/1996
كلمة الرئيس
بسم الله الرحمن الرحيم
"والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"
صدق الله العظيم
الأخ رئيس المجلس الوطني،،
الأخ رئيس المجلس التشريعي،،
الأخ رئاسة المجلس التشريعي،،
السادة رؤساء وأعضاء وفود وممثلي الدول الشقيقة والصديقة،،
أيتها الأخوات والأخوة.. أعضاء المجلس التشريعي،،
الأخوة الضيوف الكرام،،
الأخوة الحضور،،
أود في البداية أن أرحب باسم الشعب الفلسطيني وباسم السلطة الوطنية الفلسطينية. وباسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بالأخوة الضيوف الكرام وممثلي البرلمانات والدول الشقيقة والصديقة، وأود أن أحييهم وأشكرهم على مشاركتهم الكريمة التي ترمز إلى التفافهم حول فلسطين المستقبل. وحول السلام العادل والشامل في منطقتنا. والتي كان لبعض الأخوة المتواجدين هنا نيابة عن بلادهم وقادتهم الفضل الكبير فيما وصلنا إليه.
وفي هذا المجال لا بد أن نذكر أن اتفاق أوسلو تمت رعايته، والتوقيع على الاتفاق الأول والثاني منه في واشنطن تحت إشراف ورعاية الرئيس كلينتون ومعه الراعي الروسي وهذا الحشد العربي والدولي، بما في ذلك الوحدة الأوروبية والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن واليابان ودول عدم الانحياز والدول الأفريقية والإسلامية وإخوتي العرب، ثم تبع ذلك مباحثات واتفاق القاهرة تحت رعاية أخي الرئيس مبارك ومشاركة راعيي المؤتمر، ثم بعدها محادثات طابا في مصر.
وهنا لا بد أن نذكر بالامتنان الدول المانحة وما قدمته وتقدمه من مساعدات، وكذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة وسكرتيرها الدكتور بطرس غالي.
إن قدومكم إلى وطننا في هذه اللحظات الصعبة لمشاركتنا هذه المناسبة التاريخية، يعني لشعبنا الشيء الكثير. فلكم منا كل تقدير. وأود أن أتقدم للسيد رئيس المجلس التشريعي ونوابه وأمين السر بالتهنئة لكل عضو منكم على الثقة التي أولاها إياكم شعبكم، وأوجه تهنئة خاصة للأخوات من أعضاء المجلس وأقول لهن: إن وصولكن إلى عضوية المجلس هو شهادة تقدير من شعبنا للدور البارز الذي أدته المرأة الفلسطينية في كافة مراحل نضالنا الوطني، وعلى أهمية مواصلة هذا الدور وتطويره في المستقبل لبناء وطننا ودولتنا المستقلة.
إننا نعقد هذه الجلسة التاريخية. لمجلسنا التشريعي في ظل ظروف بالغة الصعوبة، جراء الأحداث الدموية التي شهدتها منطقتنا خلال الأيام الماضية، ولقد كان إصرارنا على عقد هذه الجلسة في موعدها، رغم الحصار المفروض على الضفة الغربية وقطاع غزة وجميع القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية، نابعاً من رغبتنا في توجيه رسالة للعالم أجمع.. رسالة واضحة وضوح الشمس بكل معانيها وبكل إصرار شعبنا للمضي قدماً في بناء مستقبله ودولته رغم كل الصعاب والمعوقات.
بسم الله الرحمن الرحيم
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"
صدق الله العظيم
الرسالة تقول:
إن مسيرة السلام.. سلام الشجعان.. التي انطلقت باتفاق إعلان المبادئ الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة ودولة إسرائيل، سوف تستمر. ولن نسمح لكائن من كان، من أعداء السلام داخلياً أو خارجياً، وفي الاتجاهين وفي الطرفين بتعطيلها، أو حرفها عن المسار الصحيح المؤدي إلى إنجاز مراحلها وأهدافها كافة، ولن نسمح للعنف ولا للإرهاب إيقاف هذه المسيرة السلمية.
"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة"
والرسالة تقول:
إن مسيرة بناء الكيان الوطني الفلسطيني المستقل سوف تواصل تقدمها في زمن الانبعاث الجديد فوق أرض فلسطين وفي قلبها القدس الشريف.
الرسالة تقول:
إن مسيرة التطور والتحديث وبناء الاقتصاد الوطني الحر لا بد وأن تتواصل بزخم قوي وعزيمة متجددة وأداء عصري قويم ونحن نتوجه نحو بناء الدولة والمجتمع الحديث.
الرسالة تقول:
إن مسيرة الديمقراطية التي دشنتها الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العشرين من كانون الثاني الماضي ستستمر، ولن يستطيع أحد من أعداء الديمقراطية والتقدم أن يوقفها، ولن يسمح شعبنا لأحد بأن يتحدى إرادته الحرة المستقلة.
أيتها الأخوات.. أيها الأخوة..
إننا على يقين من أن قوى الظلام والردة والإرهاب، عملت كل ما في استطاعتها لضرب هذا الإنجاز التاريخي، المرتبط بأعمق مفاهيم السلام.
وأن من خططوا وأمروا بتنفيذ الجرائم الأخيرة في القدس وعسقلان وتل أبيب. مما أدى إلى إزهاق أرواح العشرات من المدنيين الأبرياء الإسرائيليين وفلسطينيين وأجانب.. وقبلها اغتيال شريكنا في عملية السلام السيد اسحق رابين، ان هؤلاء لم يكونوا في واقع الأمر يوجهون ضربتهم للإسرائيليين وحسب، وإنما للفلسطينيين كذلك. وليضربوا في مقتل، عملية السلام وأهدافها السامية، وليقتلوا الحلم الفلسطيني الغض الوليد الذي نعمل بدأب كي نراه قوياً متكاملاً بتحقيق الاستقلال على أرضنا، وإقامة مجتمع ديمقراطي يلبي آمال أجيالنا.
وهنا.. ومن هذا المنبر.. أوجه رسالتي لشعبنا الفلسطيني ولشركائنا في عملية السلام.. الشعب الإسرائيلي وحكومته، ولكل شعوب منطقتنا ودولها ولراعيي السلام وللمجموعة الأوروبية ولمجلس الأمن ولكل الدول الصديقة والشقيقة ولكل العالم أجمع. داعياً الجميع إلى مواجهة هذا العنف والإرهاب، وتنسيق الجهود لاستئصال جذور الإرهاب وأسبابه في الطرفين، كي نوفر لأوطاننا أمنها واستقرارها ولمستقبل منطقتنا إشراقة المنشود. إنني ومن على هذا المنبر أتوجه باقتراح إلى جميع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالسلام العادل في المنطقة لعقد لقاء على أعلى مستوى من أجل بحث سبل حماية مسيرة السلام والتسريع بها. على جميع المسارات، باعتبار ذلك خطوة بارزة وأساسية لإقفال الطريق أمام دورة العنف الدموية، ولنبحث معاً كذلك سبل التصدي للإرهاب كظاهرة إقليمية ودولية وهو ما عبّر عنه وأكده الرئيس كلينتون.
وفي الوقت الذي لم ولن نتوانى كسلطة وطنية فلسطينية، وكشعب عريق عن محاربتنا المبدأية والمنهجية للإرهاب، فإننا نرى بأن هذه المعضلة الدولية الكبرى، لا يمكن أن تحل لا بالإحتلال ولا بالاستيطان ولا بالحصار، ولا بالإغلاق وبالتضييق وبالإجراءات الستثنائية والعقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني بأسره. وإنما من خلال معالجة متبصرة لدوافعها وللمناخات التي تولد وتترعرع فيها. إن الحفاظ على حقوق الإنسان وتوفير العدالة وتعميمها، وتربية النشء في ظروف صحية وبثقافة عصرية مع التمسك بالقيم والمعتقدات بأرقى مفاهيمها الحقيقية من شأنه أن يحد من ظاهرة الإرهاب ونتائجها.
وفي منطقتنا حيث نقوم بصنع سلام الشجعان ونواجه تحدياته، وخاصة هذه العلاقات التي أصبحت معروفة للجميع بين هذه القوى المتطرفة في الجانبين لأن عندي ما يثبت ذلك فإننا لا نرى في العقوبات والإغلاق الحالي ضد شعبنا كله، وضد مناطقنا علاجاً لظاهرة الإرهاب، وإنما ينطوي على مجازفة بالانجازات الثمينة التي أحرزناها في عملية السلام ووضع هذه الانجازات في دائرة الخطر أمام هذه الانتهاكات.
إنني ورغم الحزن والألم الذي يشعر به المجتمع الإسرائيلي ونشاطره إياه، أود أن أؤكد على أن هذه اللحظات المفجعة لا يجب أن تجعل الصورة مظلمة أمامنا لا أمامنا كفلسطينيين، لا أمام الإسرائيليين، ولا أمام العرب حتى يحقق السلام مكاسب كبيرة. وقطعنا خطوات عديدة نحو بناء شرق أوسط جديد يسوده الانفتاح. وكنا جميعاً ندرك أن للسلام ثمن. وأن هنالك قوى سوف تحاول إغراقه بالدم حتى تمنع شموله ورسوخه. ولقد أعلنت عن ذلك علناً. وواجبنا اليوم أن ندافع عن السلام في وجه الإرهاب. وأن نتقدم إلى الأمام، وليعلم الجميع أن هذا العنف وهذا الإرهاب ضد جميع القيم الدينية والروحية والإنسانية والوطنية والقومية.. هذا الإرهاب ضد شرع الله وشرعية القوانين وخروجاً عنها.
بسم الله الرحمن الرحيم
"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"
صدق الله العظيم
أيها الضيوف الأعزاء..
أيها الأخوة الكرام..
أيها السيدات والسادة..
لقد شكلت الإنتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت قبل أسابيع افتتاحاً لمرحلة جديدة في تاريخ شعبنا الفلسطيني.
فعندما توجه هذا الزخم من المواطنين الفلسطينيين إلى صناديق الاقتراع، لاختيار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية واختيار أعضاء المجلس التشريعي كانوا في الوقت نفسه يدلون بأصواتهم من أجل فلسطين المستقبل. ولقد كانوا بمشاركتهم الواسعة والمنظمة يؤكدون على دعمهم المطلق لخيار السلام الذي اعتمده المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 بالموافقة على الحل بدولتين - فلسطينية وإسرائيلية - وعام 1991 بالاشتراك بمؤتمر مدريد للسلام والذي توج باتفاق أوسلو لإعلان المبادئ عام 1993. والذي وقعناه في واشنطن والقاهرة، وكانوا في الوقت نفسه يدلون بأصواتهم تأييداً ودعماً لقيام أول سلطة فلسطينية على أرض فلسطين، وأذكركم في عام 1974 المجلس الوطني الفلسطيني قال إنشاء السلطة الوطنية على أي جزء يتم الانسحاب الإسرائيلي عنه طبقاً لما قرره مجلسنا الوطني عام 1974 في القاهرة. وكذلك تأييداً للخيار الديمقراطي الذي يقوم على أساس الانتخاب الحر والمباشر.
ولقد تابع العالم عن كثب مسار هذه الانتخابات، وبلا شك فإن الصورة التي قدمها شعبنا كانت صورة زاهية تعبر عن النضج والرقي والوعي الكبير. وهي صورة نفخر ونعتز بها، فشعبنا صاحب التراث الحضاري العريق فوق هذه الأرض القديمة المباركة قادر على الدوام ورغم المحن، "ونجيناه ولوط إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين" قادر على تأكيد إسهامه وعطائه في كل زمان، وقادر على أن يكون القدوة والمثل وأن يقدم النموذج المضيء. في أرض السلام في فلسطين أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومهد المسيح عليه السلام.
لقد افتتحت هذه الانتخابات مرحلة الشرعية الدستورية والقانونية في تاريخ شعبنا الفلسطيني، ودشّنت مرحلة الكيان الوطني الفلسطيني المستقل، نحو دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إننا ونحن نتقدم في رحاب هذه المرحلة الجديدة، نذكر بالتقدير والإعزاز كل شهداء شعبنا الأبطال وفي مقدمتهم أخي وحبيبي أمير الشهداء "أبو جهاد" ان الذين سقطوا على درب النضال على مدى العقود الماضية من أجل حرية فلسطين واستقلالها، لترقد الآن أرواحهم بسلام في عليين عند الرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، فها هي الأهداف التي ضحوا بأرواحهم من أجلها تتجسد فوق أرضنا ونذكر بالتقدير والإعتزاز كذلك جرحانا وأسرانا وأسيراتنا الذين ما زالوا خلف قضبان السجون وفي مقدمتهم الشيخ الفاضل أحمد ياسين، وهم الأبطال الذين ساهموا بصنع الإنجازات لشعبنا، فإليهم تحية من شعبنا كل شعبنا.. وموعدهم قريب مع الحرية بإذن الله تعالى. إن موعدهم الصبح أوليس الصبح بقريب.
أيتها الأخوات والإخوة،،
إن الثقة التي منحكم شعبكم إياها تقترن بتطلعات وبتوقعات كبيرة، وتقترن بالتالي بمسؤوليات جسام، لكنني على ثقة أن هذا المجلس، قادر مع مجلسكم الوطني الفلسطيني قادر على التصدي لهذه المسؤوليات، خاصة وأنه يجمع بين أعضائه خلاصة تجارب عديدة، وتلتقي فيه أجيال مختلفة، تجارب تغطي كل مراحل النضال الفلسطيني في جميع الساحات في الوطن والمنافي وأجيال تشمل الجيل الذي عايش النكبة في بدايات العمل الوطني وبعدها، والجيل الذي عاش في المنافي وانطلق بالثورة، والجيل الذي عانى تحت الإحتلال حتى صنع الانتفاضة الباسلة، إن مزيجاً متكاملاً من هذه الخبرات والتجارب كفيل بالتصدي للمهام التي تطرحها علينا المرحلة القادمة.
واسمحوا لي هنا.. أن أطرح عليكم ما أراه عناوين رئيسية في برنامج عملنا الوطني للمرحلة القادمة:
المهمة الأولى: حماية وتعزيز السلام
إن السلام.. سلام الشجعان.. سلام الشجعان.. الذي استلزم شجاعة فائقة لدى الأطراف المعنية لصنعه، أصبح حقيقة راسخة على الأرض. غير أن هذا يجب ألا يجعلنا نتجاهل أو نقلل من المخاطر التي تتهدده من قبل الفئات المتطرفة وفي الجانبين والمعادية للسلام، والتي يسعى بعضها للقضاء على هذا السلام وعبثاً يحاولون.
وبعد متقل شريكي رابين كشف النقاب عن لقاءات وتنسيق مع القوى الفلسطينية المتطرفة لضرب عملية السلام وأنا لا أدعي، هذه هي تصريحات في جريدة يورشلايم العبرية التي يعترف فيها بذلك (زعيم حركة إيال أفناي رفيف المتطرفة) باللقاءات التي تمت بينهم في بعضها جرت تبعد كيلو متر واحد عن مقري بجانب فندق فلسطين على بحر غزة. يا إخواني الضيوف ويا أخواتي ممثلي الدول الصديقة والشقيقة ويا إخواني أعضاء المجلس التشريعي.. عبثاً يحاولون فهي إرادتنا المشتركة لشعبنا الفلسطيني والشعب الإسرائيلي وشعوب المنطقة لترسيخ السلام العادل والشامل من أجل شرق أوسط جديد.
إن حماية وتعزيز السلام ليس كلمة تقال، ولا مجرد إجراء يتخذ، بل هو سياسة شاملة ودائمة ومستمرة يجب أن تعتمدها جميع الأطراف الإقليمية والدولية الشريكة في صنع السلام.
إننا في هذا الوقت الذي أكدنا فيه على التزامنا باتفاقيات السلام واحترامنا والتزامنا بتعهداتنا فيها، فإننا نجدد التأكيد على أننا لن نسمح لأية قوة على أرضنا أن تحاول المس بعملية السلام. إن أية محاولة من هذا القبيل ترقى إلى الاعتداء المباشر على المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وسيتم التصدي لها الآن بكل حزم وقوة ودون أي تردد أو تهاون، ولن نتهاون في حماية وحمل الأمانة التي حملها إياها شعبنا لصيانة حقوقه ومصالحه ومستقبله ومستقبل أجيالنا القادمة ولحماية هذا السلام في ظل هذا النظام العالمي الجديد.
وإننا نتطلع إلى أن يتخذ الطرف الإسرائيلي الإجراءات اللازمة لمواجهة القوى الفاشية والعنصرية التي ما زالت مسكونة بأحلام السيطرة والاحتلال والتوسع والترانسفير، والتي تجاهر بإصرارها على تدمير السلام، كما أننا نؤكد هنا أن هذه مهمة مطلوبة أيضاً من جميع دول وشعوب المنطقة. ومطلوبة من كل العالم المحب للسلام مطلوبة منا أولاً وأخيراً.. وكما تعرفون وكما تعلمون لقد تصدينا لها بكل حزم وبكل شدة.
كذلك ومن أجل حماية وتعزيز السلام فلا بد من الإلتزام الأمين والدقيق بتنفيذ الاتفاقيات المعقودة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، والتقيد بالبرنامج الزمني الموضوع لمراحل السلام، وتمثل روح المشاركة في التنفيذ، والامتناع عن أي سلوك يسبب التوتر أو يشيع أجواء عدم الثقة، كل ذلك سيقدم الإسهام الأكثر أهمية، والأشد فاعلية لحماية السلام.. سلام الشجعان.
إن علينا.. فلسطينيين وإسرائيليين أن نتقدم نحو تطبيق بنود الاتفاقات المعقودة بيننا لنبدأ بعد شهرين مفاوضات الوضع النهائي، مروراً بإكمال عملية إعادة الانتشار من الخليل. ودعوة مجلسنا الوطني الفلسطيني للانعقاد لمناقشة الميثاق وتعديله.
إن ضرراً كبيراً يلحق بعملية السلام ومصداقيتها إذا واجهت أي تلكؤ أو تباطؤ في تنفيذ أي بند من بنود اتفاقياتها مهما كانت الصعاب والتحديات. إن التنفيذ الدقيق والأمين الذي نصر عليه ضروري من أجل بدء محادثات الوضع النهائي في أجواء من الثقة اللازمة للتقدم والنجاح.
فالتعزيز النهائي للسلام ولكي يصبح طوداً شامخاً وحقيقة متجذرة من الحقائق التاريخية الراسخة، يكون بإنجاز المرحلة النهائية بما يكفل تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي نص عليها قرارا مجلس الأمن 242، 338، وبما يشمل انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967 وفي مقدمتها القدس الشريف. وطبقاً للقرارات الدولية التي هي أساس مؤتمر مدريد للسلام.
وبما يضمن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك الحدود النهائية والمستوطنين والمستوطنات، وهذا هو الإطار الذي سيحمي السلام في المنطقة ويضمن له البقاء والاستمرار، ويفتح الآفاق لحل عادل وشامل في المنطقة يحقق السلام على جميع المسارات العربية - الإسرائيلية بما فيها المسارين السوري واللبناني. وإنهاء المسار الفلسطيني حتى الاستقلال.
وبالتالي فإن المهمة الأولى أمامنا في هذه المرحلة هي تأكيد التزامنا الدائم والعملي باتفاقات السلام، وبما يضمن نيل حقوق شعبنا المشروعة وتحقيق استقلالنا الوطني الكامل.
المهمة الثانية: تعزيز الوحدة الوطنية
"إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله سفاً كأنهم كبنيان مرصوص"
إذا ما كونوا جميعاً يا بني في خطب ولا تفرقوا رهادا
تأبى الرماح إذا تجمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا.
لقد حرصنا في كل مرحلة من مراحل مسيرتنا الطويلة على أن نحمي ونصون وحدتنا الوطنية، وقد شهدنا في الانتخابات التاريخية قبل أسابيع تجسيداً فذاً لوحدة الشعب وتكاتفه.
وفي هذه المرحلة الجديدة التي تعني انبثاق نظام سياسي فلسطيني ويثبت شعبنا على الخريطة السياسية والجغرافية بالمنطقة وسيكون له انعكاساته الهامة والمصيرية، ليس في فلسطين فحسب، وإنما في المنطقة كلها، نظام يقوم على الشرعية الدستورية، فإننا نؤكد حرصنا على تعزيز الوحدة الوطنية، حرصنا على تعزيز الترابط والتلاحم الواحد بين شعبنا داخل الوطن وفي المنافي والشتات. ومن هنا يبرز الدور المركزي والأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي ستخوض مفاوضات الوضع النهائي باسم الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وأهمية تفعيل مؤسساتها وانعقادها في القريب العاجل بما في ذلك المجلس الوطني الفلسطيني خلال الشهرين القادمين.
إنني من هنا.. من قلب فلسطين.. وفي هذه المناسبة التاريخية أوجه باسمكم التحية إلى أبناء شعبنا كل شعبنا.. ربعنا كل ربعنا.. في الوطن وفي المنافي، ونتعاهد وإياهم على مواصلة الدرب لإنجاز جميع حقوقنا الوطنية طبقاً للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
كما إنني أوجه من على هذا المنبر نداءً لجميع القوى والفصائل والتيارات الفاعلة وأدعوها للالتحاق بأطر العمل الوطني، إن المرحلة القادمة تتطلب حشد قوانا وطاقاتنا لمواجهة كافة التحديات والصعاب التي تواجهنا، وأن ما يجمعنا هو أكثر بكثير من أية اجتهادات قد تفرق بيننا. إن جميع الأبواب مفتوحة أمام جميع القوى الوطنية الفلسطينية للعمل في ظل السلطة الوطنية بشكل ديمقراطي وضمن التعددية السياسية وضمن القوانين المرعية. ولنتفق فيما نتفق عليه وليعذر بعضنا البعض فيما نختلف فيه.
المهمة الثالثة: بناء الكيان الوطني الفلسطيني
إن أمامنا على هذا الصعيد أيها الأخوات والأخوة.. جدول أعمال حافل، وإنكم مطالبون بأن تنكبوا على إنجاز البنية القانونية التحتية اللازمة لتأسيس كياننا الوطني.
وأن هذا المجلس مطالب بصياغة القوانين والأنظمة والتشريعات الكفيلة بتنظيم مسار عملنا ومسار الحياة في بلادنا، والتي ستستند إليها السلطة التنفيذية، كما تستند بمنظمة التحرير الفلسطينية ويستعين بها كذلك الجهاز القضائي.
إن هذه مهمة تاريخية مقدسة، فبوضع القوانين والأنظمة التي تستند في منطلقاتها لما أجمع عليه شعبنا من خيار التعددية السياسية وصيانة الحريات الأساسية وعلى رأسها حرية التعبير، وضمان فصل السلطات، والتكافؤ في الفرص، والمساواة بين المرأة والرجل، بوضع هذه القوانين واستكمال بناء الأطر والهياكل نكون قد صنعنا قاعدة صلبة لبناء كيان ديمقراطي عصري متقدم، يجعل فلسطين مؤهلة لدخول القرن القادم وهي تسهم وتشكل بعطائها الحضاري ضمن المنطلق القومي لأمتنا العربية، وتعود لتصبح كما كانت في أغلب فترات التاريخ منارة تساهم في حاضرة المنطقة والعالم.
المهمة الرابعة: تسريع عملية إعادة البناء والتنمية
إن علينا جهداً هائلاً على جميع الجبهات لمواصلة عملية إعادة بناء ما خلفته عقود الاحتلال من تدمير هائل وخراب شامل في بلادنا، وهي إعادة بناء بنيتنا التحتية المدمرة، وتحقيق تنمية توفر لشعبنا متطلبات حياة كريمة، واستقطاب كل الخبرات والطاقات والإمكانيات الفلسطينية والعربية والدولية، لتحقيق نهضة اقتصادية نحن، بعون الله، قادرين على تحقيقها قبل أن نكون جديرين بها.
وهذه المهمة، تتطلب مواصلة المجتمع الدولي دعمه لبرامجنا ومشاريعنا، وتتطلب وقف الإغلاق المتعدد الأشكال الذي يؤدي لإلحاق أفدح الأضرار بالحياة المعيشية لعمالنا وأهلنا وأطفالنا وباقتصادنا كله.
إننا في هذا المجال وفي جميع المجالات نرتكز أساساً على محيطنا وعمقنا العربي، ونؤكد حرصنا على تعزيز علاقاتنا العربية، وبناء صيغ تعاون وثيق في شتى المجالات مع الدول العربية الشقيقة.
إن علاقتنا مع مصر الشقيقة ورئيسها مبارك تتطور في جميع المجالات، وعلاقاتنا مع الأردن الشقيق التوأم نعمقها ونعززها، وكذلك العلاقات مع الأشقاء في السعودية وأنا باسمكن أتوجه لله العلي القدير أن ينعم على جلالة الملك فهد خادم الحرمين الشريفين بالصحة والعافية، واليمن والخليج.. أعني من عمان للإمارات لقطر للبحرين للكويت.. وإنني أقول رغم أن الكويت طاردين أهلنا لا من الكويت وأهل الكويت وزعماء الكويت إخواننا وأحباءنا.
وعندما أقول المغرب العربي أتذكر تونس التي تحتضن م.ت.ف وأتذكر أخي جلالة الملك الحسن وأخي وابن عمي أي ليس فقط المملكة المغربية "لكن رئيس المؤتمر الإسلامي رئيس لجنة القدس. وكذلك إخواني الأحبة في موريتانيا ورئيسهم ولد طايع وإخواني في الجزائر الذين احتضنوا جلسات المجلس الوطني الفلسطيني ورئيسهم أخي زروال، وكذلك إخواني في ليبيا وجميع البلدان العربية الأخرى من السودان إلى اليمن إلى عمان إلى اليمن إلى عمان إلى العراق إلى موريتانيا دون استثناء. والمغرب العربي وجميع البلدان العربية دون استثناء، وأعبر في هذا المجال عن رغبتنا الأكيدة في توفير الحل على المسارين السوري واللبناني، لكي نعمل معاً وسوياً من أجل سلام عادل وشامل على جميع الجبهات وفي المنطقة بأسرها، كما أعبر عن دعوتنا لرفع الحصار عن الشعب العراقي والشعب الليبي، ونحن نسعى لبناء شرق أوسط جديدة يشملنا جميعاً.
أيتها الأخوات والأخوة أعضاء المجلس،،
إن مجلسكم وهو يتصدى لمسؤولياته ومهامه التاريخية يجب أن توفر له كل الظروف وكل الدعم الممكن، ليأخذ دوره وليمارس صلاحياتها بالكامل.
إن جميع أجهزة السلطة التنفيذية ستقدم كل ما هو مطلوب منها ليأخذ دوره الواجب واللائق والفاعل، ونحن لا نعد بعمل المعجزات ولا نعد وعوداً لا يمكننا الوفاء بها، ولكننا نعدكم ببذل كل ما يمكننا أن نقوم به بأمانة وإخلاص، معتمدين على المولى عز وجل أولاً، وعلى عزيمة إرادة وتحمل شعبنا الذي هو أعظم من قياداته السابقة والحالية والمستقبلية.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة أعضاء المجلس،،
السيدات والسادة الضيوف والحضور،،
إننا جميعاً شهود في هذه الساعات على صنع تاريخ جديد لشعبنا ولمنطقتنا، إننا جميعاً شهود في هذه الساعات على ولادة ديمقراطية جديدة في الشرق الأوسط، إننا جميعاً في هذه الساعات شهود على مرحلة جديدة من الانبعاث الجديد لفلسطين.. فلسطين الشعب.. فلسطين الوطن.. فلسطين الكيان المستقل.. شهود على انطلاقة جديدة في مسيرة الشعب الفلسطيني نحو بناء دولته المستقلة وقدسها الشريف.
مرة أخرى أحيي ضيوفنا الأعزاء..
وأتمنى التوفيق للمجلس..
بسم الله الرحمن الرحيم
"ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض"
صدق الله العظيم