مقر الشهيد ياسرعرفات في تونس.. شاهد على الكرامة الوطنية ودفن الصفقات المشبوهة

2019-06-25

تونس– الحيــاة الجديدة- منتصر حمدان- «ملابس بســيطة لكنهــا مرتبــة بعناية فائقة داخل رفوف خزانــة تعود الى آواســط  ثمانينيات القرن الماضي، مع ســرير متواضــع ترك القــرآن الكريــم علــى روسيته مع بعض الاقلام، وفي الجهة المقابلة جهاز قديــم لممارســة رياضة المشي، مع طاقية شتوية معلقــة علــى أحد جنبات غرفة النوم»، هذه صورة متواضعة لظروف عاشــها قائد وطني بحجم القضية الوطنية الفلسطينية التي حفظها تفاصيلهاعن ظهر قلــب وعاش لها وعاشــت فيــه حتــى آخر أنفاســه، هو الرئيس الراحل ياســر عرفات الذي ترك إرثا أينما حــل وأينمــا أكل أو نام أو جلس أو مشى. في ضاحية يوغرتــا إحــدى ضواحــي العاصمة التونســية منزل متواضــع وضعــت علــى مدخله الأيمن لافتة صفراء اللــون يتوســطها شــعار منظمــة التحريــر وكتــب عليهــا منظمــة التحريــر الفلسطينية بتونس/ مقر الشهيد الرمز ياسرعرفات، والمنــزل المكــون مــن طابقين محاط بسور يقدر ارتفاعــه بمتريــن نصفه الارضــي مــن الاســمنت المدهــون باللون الابيض والنصف الآخر من الحديد ولونــه الداكــن، ونصبــت على مدخله بوابة حديدية إلى جانبها غرفة حراســة صغيرة بحراسة اثنين من الشرطة التونسية. «
انــت البــارودة وانــا الي تعلمت عفنونها»،هذه من أولى العبارات التي تقرأها وأنت تشــق طريقك نحو المدخــل الرئيســي للمقر حيــث علقــت علــى يمين المدخــل صــورة للرئيس الراحــل ياســر عرفــات مرتديــا القبعة والملابس العسكرية ويضع مسدسه علــى يمينه ويــده اليمنى قريبــة من مسدســه في صورة تعكس الاســتعداد للنضــال والثقــة بحتمية النصر والنظرة الثاقبة نحو فجر جديد، والجهة اليسرى علقــت صــورة الرئيــس عرفات وهو يضع الكوفية ويرفع اشارة النصر والعلم الفلسطيني أمام صورته ويقابله على الجهة الأخرى العلم التونسي.  
في مساحة المدخل وضعت طاولــة صغيــرة مليئــة بالشــموع الصغيــرة حيث يطلــب مــن الزائــر قراءة الفاتحة على روحه الشهيد الرمــز ثــم اضاءة شــمعة تخليدا لذكراه التي لاتغيب عن ثوار فلسطين والعالم العربــي والعالــم برمته، فهــو الثائر الفلســطيني الــذي ملك المال فخســره للقضيــة الوطنيــة وملك النفوذ والمكانه السياسية وخسرهما لخدمة القضية، وملك الســلطة فخسرها لخدمــة القضيــة التي لم تغــب عنــه لحظــة واحدة منــذ بداية نشــأته وحتى استشــهاده محاصــرا في مقره في رام االله.
قاعــة اجتماعــات اللجنــة المركزيــة لحركــة فتــح، حاضــرة في المقــر بـ 13 كرســيا متواضعا محاطة بطاولــة طويلــة فــي الطابــق الأرضي وتملؤها صــور القادة السياســيين والشــهداء مــن رفــاق الشهيد ياسر عرفات الذي عايشــوا مرحلتــه انتقال الثــورة مــن العاصمــة اللبنانيــة إلــى العاصمــة العاصمة التونســية التي تحولت الى محج للساســة والدبلوماســيين الدوليين بعد وصولا لرئيس عرفات إليهــا، ويمكن الاســتدلال إلــى ذلك من خــلال غرف خصصها الرئيس الراحل الى اجتماعات عامة وثنائية وحتــى غــرف لمباحثــات فرديــة كان يســتعملها الرئيس الراحل لادارة كل الملفات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية.. الخ، وبالإمكان للزائــر ملاحظة أن نوعية خشــب الكراســي وغــرف النوم والمكاتــب كلها من نوع واحده و خشــب الزان المعروف بصلابته وقدرته علــى مقاومة التلف، لكنه أثــاث متواضع جدا مقارنه مــع الحجــم السياســي والمعنــوي للقــادة الذين حملوا قضيته عادلة بحجم القضية الفلسطينية. 
الصعود الى الطابق العلوي للمقر يتم عبر مدرج ملتو بطريقــة احترافيــة تتيح لمــن يقف فيها مشــاهدة الصاعد قبل أن يراه، وفيه ثلاث غــرف الأولــى كانت مخصصــة لقائــد الثــورة مع برنــدة صغيــرة تابعة لهــا، والثانيــة مخصصــة لنوم الضيــوف المقربين من الرئيــس عرفات حيث أخبرنا العاملون في المقر أن نبيل شعث الذي يعتبر من القــادة المقربين من الرئيس عرفــات كان من أكثر الشخصيات استخداما لهذه الغرفة بســبب كثرة زيارته وجولاته وتحركاته السياســية والدبلوماسية التــي كان الرئيس عرفات يوكلهــا له، وتوجــد قاعة صغيــرة كانــت مخصصة لعقد اللقاءات والاجتماعات المصغــرة، وتوجــد غرفة ثالثــة كانــت مخصصــة لللقــاءات والاجتماعــات والمباحثــات الفرديــة مع الوفود والضيوف. 
مجــرد الدخــول والتجوال فــي ذلــك المقــر تشــعر برائحة الشــهداء الأبطال والرئيــس ياســر عرفــات تنتشــر بالمكان وتشــعر بوجــوده وضحكتــه وبســاطته وعنفوانــه وطريقــة عملــه المعقدة فــي إدارة كل مــا يرتبــط  بالقضية الفلسطينية التي اعتبرها قضيته الشخصية وضحى بــكل الملذات متع الحيــاة من أجلهــا وكل ما يتمنــاه أن يحقق الأهداف الوطنيــة المشــروعة للشعب الفلســطيني في تقريــر مصيــره وإقامــة دولته المستقلة وعاصمتها القــدس أو نيل الشــهادة دونهــا، وفي هــذا المكان تتجسد الملحمة البطولية لشــعب يخــوض نضالــه الوطني من أجــل الحرية والاستقلال فتشاهد صور الشــهداء، الشــهيد خليل الوزيــر، صــلاح خلــف أبو إياد، خالد الحســن وصور أخــرى توثق لحيــاة القائد الرمز إضافة إلى مطرزات وأعمال فنية من الأســرى الفلسطينيين أرسلت من داخــل ســجون الاحتــلال للقائد ياســر عرفات وكان أبرزهــا المطــرزة التــي أرســلتها عبيــر الوحيــدي من ســجن تلموند بتاريخ وتشــمل 1991/11/15 صورة العلم الفلســطيني وشــمعة حمراء مشــتعلة وإشارة النصر ليد متجذرة فــي الارض ومحطمــة لقيود الاحتلال وكتب عليها "دولة فلســطين 15/11، قلعة شهداء عيون قارة. 
الزخرفــة وطريقــة البناء التونســية حاضــرة فــي المكان سواء على الجدران الخارجية للمقر أو الجدران الداخلية من خلال الرسم المعماري الاســلامي الذي قد يصل إلى حد الاندماج بيــن نمــاذج البنــاء فــي فلســطين وتونس اللتين تربطهمها علاقة تاريخية متجذرة في الاعماق التي تنعكــس من حجــم الحب والتعاطف والدعم من قبل الشعب التونسي لشقيقه الفلسطيني. 
هناك في ذلك المقر الذي له رمزيتــه الخاصة كونه كان يمثــل مركــز القيادة الفلســطينية توجــد فيه صــور القــدس والاقصى وكانت القرارات السياسية الفلســطينية تصــاغ من داخله لتتحول إلى اجراءات وخطوات وتأخــذ طريقها نحــو التنفيــذ، فالقــدس كانت حاضــرة في وجدان وعقــل القائــد الرمز كما هــي الآن حاضــرة فــي وجــدان وعقــل الرئيــس محمود عباس، والصفقات المشبوهة  كانت تدفن في ذلك المقر كما ســيحصل علــى صفقة القــرن التي تســعى الادارة الاميركية حاليــا لتمريرهــا معتقدة أن تغييــب أو تهميــش القيادة الفلسطينية مجرد خطــوات ســهلة لتصفية المشروع وأصحابه وقادته دون علمهم إنه مهما تغير مــكان القيــادة وظــروف عملهــا إلا أن قــرار الدفاع عن القضية الفلسطينية حاضــر وقابل للتنفيذ في كل المراحــل والظــروف.
فالصفقــات المشــبوهة التي دفنها الرئيس عرفات أثناء وجــوده في تونس.. ســيدفنها الرئيس عباس مجــددًا اثنــاء وجــوده في رام االله.