ولد فيصل عبد القادر الحسيني في منفى والده في بغداد في السابع عشر من تموز/ يوليو عام 1940
والده هو القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني قائد جيش الجهاد المقدس في فلسطين والذي انتقل إلى بغداد عقب الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 بعد ملاحقة السلطات البريطانية له ثم انتقلت العائلة إلى السعودية في عام 1942 خوفاً من بطش السلطات البريطانية بعد مشاركة والده في ثورة رشيد علي الكيلاني ضد الاستعمار البريطاني في العراق وبقيت العائلة هناك مدة عام ونصف، لتنتقل لاحقاً إلى القاهرة عام 1946.
وهناك التحق فيصل الحسيني ابن الستة أعوام بالمدرسة ليبدأ مشواره التعليمي في ظل استمرار نشاط والده النضالي ضد الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية حيث قام بإنشاء معسكرات تدريب وتسليح سرَية بالتعاون مع قوى مصرية وليبية مشتركة بالإضافة إلى إعداد عناصر للقيام بأعمال فدائية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وفي عام 1948 استشهد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل دفاعاً عن عروبة القدس وفلسطين، كان فيصل آنذاك يبلغ من العمر ثمانية أعوام.
ترعرع فيصل في بيئة وطنية عروبية مدافعة عن القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، الأمر الذي مهدّ مشواره النضالي، ففي عام 1956 تطوع فيصل الحسيني مع شقيقيه في الجيش المصري وقوات المقاومة الشعبية للتصدي للعدوان الثلاثي على مصر ثم انضم فيصل الحسيني لحركة القوميين العرب في عامي 1957 و1958.
سافر فيصل بعد انهاء دراسته الثانوية إلى بغداد للالتحاق بكلية العلوم عام 1958 وعقب اندلاع الصراع بين الحركة القومية والحركة الشيوعية في بغداد اضطر فيصل لمغادرة العراق والعودة إلى مصر والالتحاق بكلية العلوم في القاهرة في عام 1960، وهناك انضم إلى رابطة طلبة فلسطين، واشترك في تأسيس الاتحاد العام لطلاب فلسطين، وفي عام 1963 باشر في تدريبات عسكرية استعداداً للانخراط في الكفاح المسلح ضمن تنظيم شباب الثأر.
عاد فيصل الحسيني إلى مدينة القدس عام 1964 ليعمل مسؤولاً عن التنظيم الشعبي في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية هناك، ثم التحق بالكلية العسكرية في مدينة حلب وحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية عام 1966 لينضم بعد ذلك إلى صفوف جيش التحرير الفلسطيني.
عقب هزيمة حزيران عام 1967، توجه فيصل الحسيني إلى لبنان ليعمل ضابطاً مشرفاً على معسكر تدريبي لمئات المتطوعين لمقاومة الاحتلال وفي ذات العام تسلل فيصل إلى فلسطين مخترقاً الحدود عبر نهر الأردن ليستقر في مدينة القدس ويبدأ العمل مع مختلف التنظيمات والقوى الفلسطينية لمقاومة الاحتلال فقامت السلطات الإسرائيلية في الخامس عشر من تشرين الأول باعتقاله بتهمة تشكيل مجموعات عسكرية وحيازة الأسلحة وحكم عليه بالسجن لمدة عام.
خاض فيصل الحسيني بعد إطلاق سراحه مواجهة قانونية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي من أجل الحصول على هوية إقامة واستمرت هذه المواجهة لمدة عشر سنوات انتهت بحصوله على بطاقة هوية مقدسية، ورغم كل المحاولات الإسرائيلية لإرغامه على الخروج من الوطن إلا أن الحسيني أصرَ على البقاء في القدس وممارسة العمل الوطني بشكل سرَي.
عمل فيصل الحسيني بداية السبعينات في عدة مجالات مدنية متستراً خلفها حيث عمل مزارعاً، وفنَي أشعة في عيادة طبية، وموظف استقبال في أحد الفنادق، وتاجراً متنقلاً، مكملاً بذلك شبكة التعرف التفصيلي على أرض الوطن وأقام خلالها علاقات مع العديد من الشخصيات العامة ونشط بصورة غير علنية في الجبهة الوطنية التي تشكلت عام 1976 لمقاومة مخططات الاحتلال لإحكام السيطرة على الأراضي المحتلة.
التحق فيصل الحسيني بكلية الآداب في جامعة بيروت عام 1977 لدراسة التاريخ، وفي تلك الفترة كان يسعى لإنشاء مشروع ثقافي فلسطيني في مدينة القدس فقام بالتعاون مع مجموعة من الأكاديميين الفلسطينيين بتأسيس جمعية الدراسات العربية وافتتح مكتبها في شهر آب من عام 1979 في منطقة المصرارة في القدس، لكن الجمعية تعرضت لكثير من المضايقات من قبل الاحتلال الإسرائيلي وتم اغلاقها أكثر من مرة.
قاد فيصل الحسيني مع عدد من أبناء مدينة القدس والمناطق الأخرى في عام 1981 حملة لاختراق الحصار الذي فرضته السلطات الإسرائيلية على أهل الجولان السوري الذين رفضوا قرار ضم الجولان إلى إسرائيل ونجحت الحملة بإدخال المواد التموينية لهم وعلى إثر ذلك فرضت سلطات الاحتلال الإقامة الجبرية على فيصل الحسيني في منزله في مدينة القدس لمدة خمس سنوات. في تلك الفترة شارك الحسيني في لجنة التوجيه الوطني التي تشكلت في المناطق المحتلة وضمت عدداً من الشخصيات الوطنية.
وفي عام 1986 قام الحسيني بإنشاء المركز الفلسطيني لحقوق الانسان بهدف كشف الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الانسان أمام المنظمات والهيئات الدولية ليصبح أحد مراكز جمعية الدراسات العربية. ثم أنشأ عام 1987 لجنة مواجهة سياسة القبضة الحديدية وهي لجنة أقيمت لمناهضة السياسة التي كان يتبعها وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين فقامت سلطات الاحتلال في الثالث عشر من نيسان من نفس العام بوضع فيصل الحسيني رهن الاعتقال الإداري واستمر اعتقاله بشكل متقطع حتى العام 1988 لتقوم الانتفاضة الشعبية الفلسطينية وهو داخل سجون الاحتلال الإسرائيلية.
عقب انتهاء محكوميته، أصبح الحسيني أحد أبرز قادة الانتفاضة الشعبية ليقوم وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين في1988/7/30 بإصدار قرارين بحقه، الأول يقضي بوضع الحسيني قيد الاعتقال الإداري مجدداً والثاني يقضي بإغلاق مقر جمعية الدراسات العربية في القدس لمدة عام.
واصل الحسيني نشاطه السياسي بعد خروجه من الأسر وقام بتحويل منزله إلى مكتب يمارس من خلاله نشاطاته الرسمية والشعبية.
ومع انطلاق مباحثات السلام في العام 1991، قاد فيصل الحسيني المحادثات التمهيدية لمؤتمر السلام التي جرت في القدس مع وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر وكان أحد قادة الوفد الفلسطيني المفاوض في مؤتمر مدريد إلى جانب الدكتور حيدر عبد الشافي الذي ترأس الوفد، وفي نفس العام حاز فيصل الحسيني على جائزة برونو كرايسكي لحقوق الانسان بسبب نشاطه الفاعل في هذا المجال.
وبالرغم من اعتراض سلطات الاحتلال على رئاسة الحسيني للفريق الفلسطيني المفاوض كونه مقيماً في القدس، إلا أن فيصل الحسيني قام بإنشاء مقر للوفد الفلسطيني واتخذ مبنى فندق الأورينت هاوس "بيت الشرق" في القدس مقراً له، وأصبح بيت الشرق عنواناً سياسياً لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس، ومقراً للقاءات الدبلوماسية ومركزاً رئيسياً لتقديم الخدمات المتعددة لأبناء المدينة.
عقب توقيع اتفاقية اعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في أوسلو قرر الحسيني أن يركز عمله على مسألة القدس التي اعتبرها جوهر القضية الفلسطينية، وفي عام 1995 أصبح فيصل الحسيني مسؤولاً عن ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية وتم انتخابه في عام 1996 عضواً في لجنتها التنفيذية.
تصدى فيصل الحسيني لسياسات السلطات الإسرائيلية المحتلة في القدس، ودافع عن عروبتها في منابر العالم، وقاد المظاهرات، ودافع عن الحرم القدسي الشريف، وقاوم الاستيطان في مختلف المواقع، وبخاصة جبل "أبو غنيم". كما تصدى للقوات الإسرائيلية خلال أحداث النفق 1996، وطوال سنوات كرس الحسيني بنشاطه القدس عاصمة فعلية لفلسطين، وجعل من "بيت الشرق" المقر الرسمي الفلسطيني في العاصمة للقاءات مع الشخصيات الرسمية والرفيعة الزائرة للقدس.
قام الحسيني بجولات متعددة في الدول العربية بهدف تدعيم الموقف الفلسطيني في مواجهة السياسات الإسرائيلية المدمرة لعملية السلام وحشد التأييد والدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية وفي إطار تحركه العربي توجه الحسيني في عام 2001 إلى الكويت في محاولة لإنهاء الخصومة السياسية التي كانت قائمة بين الكويت ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تلت غزو العراق للكويت وحاول خلال هذه الزيارة تحويل الهَم العربي إلى القدس، وتوحيد العرب على هذا الهدف.
في 2001/5/31 توفي فيصل الحسيني عن عمر يناهز الستين عاماً في الكويت بعد إصابته بأزمة قلبية أودت بحياته، ويعتقد شقيقه غازي الحسيني أنه تعرض لعملية اغتيال من خلال تسميمه من الموساد الإسرائيلي اثناء زيارته لبيروت.
في 2001/6/1 وبعد وصول جثمانه الطاهر من الكويت إلى مقر المقاطعة في رام الله، شيعت الجماهير الفلسطينية فيصل الحسيني وعلى رأسها الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى مثواه الأخير في مدينة القدس، في جنازة لم تشهد لها فلسطين مثيلاً من قبل، حُررت القدس خلالها لعدة ساعات حيث دخلها الفلسطينيون من الضفة الغربية بمرافقة الجثمان، وبسبب العدد الهائل للمشيعين اختفى الاحتلال الاسرائيلي من شوارع القدس، ليوارى فيصل الحسيني الثرى بجانب والده عبد القادر الحسيني وجدّه موسى كاظم الحسيني في باحة المسجد الأقصى المبارك وهي المرة الأولى التي يدفن فيها فلسطيني في هذا المكان منذ احتلال إسرائيل للقدس عام 1967.