ولد سعد صايل في بلدة كفر قلَيل الواقعة في محافظة نابلس في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر عام 1932، والتحق بمدرسة عورتا الابتدائية ثم بمدرسة الصلاحية في نابلس لينهي دراسته الثانوية عام 1950. واكب سعد صايل الثورة الفلسطينية الكبرى ومساعي بريطانيا للإستيلاء على فلسطين واقامة الكيان الصهيوني على أراضيها، وأحداث النكبة التي دفعته للعمل من أجل تحرير فلسطين، وسعى لامتلاك العلم وكل الإمكانات لتحقيق ذلك بالإضافة لاعتناق ثقافة المقاومة والإصرار عليها والبقاء بالقرب من كل تحرك وطني وقومي.
التحق سعد صايل في عام 1951 بالجيش الأردني حيث قُبل في الكلية العسكرية الأردنية ليتخصص في الهندسة العسكرية، والتحق بعدها بالعديد من الدورات العسكرية، كانت تلك المرحلة هي مرحلة التحصيل العلمي والتأهيل والتدريب، واكتساب العلوم والمهارات العسكرية في أكثر من دولة ومن هذه الدورات:
دورة في الهندسة العسكرية في كلية سانت هرتز للعلوم العسكرية– بريطانيا 1954.
دورة في الدفاع الجوي في مصر 1956.
دورة تصميم الجسور وتصنيفها في العراق 1958
دورة هندسة عسكرية متطورة في كلية سانت هرتز للعلوم العسكرية– بريطانيا 1959.
دورة هندسة عسكرية متقدمة في كلية وست بوينت في الولايات المتحدة الأمريكية 1960.
دورة عسكرية في كلية القيادة والأركان العامة في كلية ويست بوينت في الولايات المتحدة الأمريكية 1966.
بالإضافة إلى العديد من الدورات في الاتحاد السوفييتي وباكستان وغيرها من الدول ليتميز سعد صايل في هذا المجال ويتدرج سلم المناصب والرتب العسكرية في الجيش الأردني بكفاءة ليصل رتبة عقيد ركن، واسندت إليه قيادة لواء الحسين بن علي / مشاه المرابط في كفرنجة والأغوار.
كان اختيار سعد صايل للحياة العسكرية تعبيراً عن انتمائه ورغبته الجامحة في الإسهام الفعَال بالعمل الوطني الفلسطيني وعقب انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965.
نسج سعد صايل علاقة مبكرة مع روادها ومع تنظيم حركة فتح ولم يتردد في الانضمام لصفوفهم وكان له دور فعَال في التنسيق بين ضباط الجيش الأردني وقيادة الثورة الفلسطينية وتجلَى ذلك في معركة الكرامة التي وقعت في 21/3/ 1968. وبعد أحداث أيلول/ سبتمبر 1970 في الأردن التحق ومعظم أفراد وضباط اللواء الذي كان تحت إمرته بالثورة الفلسطينية معلناً انحيازه لها في مواجهة مخطط تصفية وجودها.
بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من الأردن عام 1970-1971 شرع سعد صايل (أبو الوليد) في إعادة تنظيم وتشكيل مجموعات جنود وضباط الجيش الأردني الذين التحقوا بقوات الثورة وشكَل منهم قوة عسكرية مقاتلة تحت اسم لواء اليرموك حيث لعبت هذه القوة دوراً مميزاً في تثبيت وجود الثورة في لبنان وفي الدفاع عن المخيمات في وجه الاعتداءات التي كانت تتعرض لها في ذلك الوقت، وقاد إعادة تنظيم وتأهيل قوات الثورة في لبنان وأدخل عليها التشكيلات والرُتب النظامية، وتم انتخابه عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني لاحقاً.
انُتخب سعد صايل (أبو الوليد) عام 1980 عضواً للجنة المركزية لحركة فتح وتم ترقيته لرتبة عميد ثم إلى رتبة لواء ركن مديراً لهيئة العمليات المركزية وعضواً في القيادة العامَة لقوات العاصفة وعضواً في قيادة جهاز الأرض المحتلة، كان اللواء أبو الوليد يعمل بعلاقة مميزة مع كل من أبي عمار وأبي جهاد واستطاع بمقدرة عالية أن يجمع بين دور القائد العسكري والقائد السياسي، كان رجلاً ميدانياً لا يصدَق إلا ما يشاهده بعينه ويلمسه بيده ولا يتعامل مع الشعارات الرنانة بل كان يجري الدراسات ويعرف موازين القوى ويعتمد على المعلومات الموثوقة ورغم انتقاده للمواقف السياسية المتطرفة والمسلكيات الخاطئة للبعض إلا أنه قاد تواصله وعلاقاته مع جميع القوى بحكمة وتروٍّ مُغلباً الرئيسي على الثانوي من أجل الحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية ولذلك حظي باحترام القوى الوطنية الفلسطينية واللبنانية كافة.
أدار سعد صايل (أبو الوليد) بكفاءة وتميز معارك شهر تموز/ يوليو 1981 التي عُرفت بمعركة المدفعية رداً على غارات الطيران الإسرائيلي على المخيمات ومواقع القوات الفلسطينية في لبنان وظهرت من خلال هذه المعارك خبرات الكوادر القتالية والفنية العسكرية المتطورة التي أشرف عليها، حيث قصفت المدفعية الفلسطينية مدينة نهاريا للمرة الأولى، إضافة إلى مواقع إسرائيلية عديدة.
ومع بداية عام 1982 أدرك أبو الوليد أن المواجهة الكبرى مع الاحتلال قادمة لا محالة فوضع خطة دفاعية كاملة وتابع ميدانياً تطبيقها على الأرض بعد مصادقة القائد العام ياسر عرفات والمجلس العسكري الفلسطيني، وبالتالي فإن فهم الصمود الأسطوري الفلسطيني اللبناني في حصار بيروت يبقى ناقصاً دون الدور الهام الذي قام به أبو الوليد والذي أُطلق عليه لقب "مارشال بيروت" حيث ترأس المفاوضات مع المبعوث الأميركي فيليب حبيب في بيت رئيس الوزراء اللبناني شفيق الوزَان لضمان الخروج المشِّرف للقوات الفلسطينية والحفاظ على أمن المخيمات وتحقيق مكاسب سياسية للصمود الأسطوري هناك، وإذا كان الخبراء والمحللين العسكريين اعتبروا صمود بيروت ثلاثة أشهر كاملة في وجه الحصار حدثاً تاريخياً فإن أبو الوليد مهندسه بامتياز.
بعد الاتفاق على آليات خروج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان رفض أبو الوليد فكرة خروج ياسر عرفات والقيادة سرَاً خوفاً من الاغتيال ودافع عن الخروج بشكل رسمي وهذا ما حصل لما يحمله من رمزية ودلالات، كان أبو الوليد في هذه الأوقات الحرجة والحساسة يقول: "لا خوف على منظمة التحرير الفلسطينية بعد بيروت فهي باقية ومستمرة ما دام الشعب الفلسطيني موجوداً، ولكن المهم إعادة ترتيب الجسم العسكري، للبقاء في معادلة الصراع".
أشرف أبو الوليد على عدَة عمليات من بينها أسر ثمانية جنود إسرائيليين مكنت لاحقاً من تحرير أسرى معسكر أنصار من فلسطينيين ولبنانيين.
شكَلت القيادة الفلسطينية لجنة بقيادة أبو الوليد للإشراف على تنظيم عملية الرحيل وقررت اللجنة بتوجيه من قائدها السماح للمُقاتل بالخروج بتجهيزاته الشخصية وعتاده وسلاحه، وأُعدَت القوائم لكل باخرة وعُيَن الملعب البلدي مكاناً لتجمع المقاتلين، كان أبو الوليد حريصاً على التواجد هناك لتفقد كل تفاصيل الراحلين عن كثب وبعد مغادرة الرئيس أبو عمار ووصوله إلى اليونان، حرص أبو الوليد على ترتيب زيارة رسمية لمقبرة الشهداء في بيروت (حي قصقص) في 1/9/1982 ونزولاً عند رغبته سار الجميع مشياً على الأقدام، بالرغم من خطورة الأمر وكان أبو الوليد آخر المغادرين على آخر باخرة من بيروت إلى ميناء طرطوس في سوريا.
وعلى متن الباخرة اليونانية التي ركبها أبو الوليد كانت آخر دفعة من القيادة والكوادر المقاتلين باتجاه ميناء طرطوس، بادر أبو الوليد حينها لترتيب موعد للقاء المتواجدين من المجلس العسكري في البقاع اللبناني حيث قال " الوقت ثمين علينا أن نلتقي خلال 72 ساعة كحد أقصى وقدرنا إكمال المشوار والوفاء بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا، أمامنا مهام كبيرة وأولها إعادة تنظيم وتشكيل قواتنا المتواجدة في البقاع والشمال اللبنانيين وإدامة المعركة مع العدو، ومساعدة الحركة الوطنية اللبنانية في استنزافه، إمكاناتنا البشرية والتسليحية ليست بالقليلة ويجب توظيفها في إثبات فشل الهدف الاستراتيجي للهجوم الإسرائيلي"
توجه كل من أبو جهاد، أبو إياد، أبو الهول إلى سوريا من أجل العمل على تجميع القوات الخارجة من لبنان، بينما عاد أبو الوليد إلى لبنان بعد أقل من 72 ساعة من مغادرته لها لترجمة أفكاره إلى واقع وشرع في تنظيم وتشكيل القوات في منطقة البقاع اللبنانية ليتم إعادة تشكيلها بالشكل الصحيح ولمباشرة عملها العسكري ضد الاحتلال من خلال عمليات مباغتة ضد القوات الإسرائيلية المتواجدة في البقاع الغربي بكل أشكال المقاومة المُتاحة.
في يوم الإثنين 1982/9/27 أول أيام عيد الأضحى المبارك طالت يد الغدر والخيانة الإسرائيلية اللواء سعد صايل (أبو الوليد) في عملية اغتيال جبانة عندما تعرض موكبه لكمين مُسلح على الخطَ الرابط بين منطقتي الرياق وبعلبك أثناء جولة تفقدية له لقوات الثورة الفلسطينية المتواجدة في البقاع اللبناني فاستُشهد سائق السيارة الأولى وأصيب أبو الوليد بجرح بليغ في الفخذ الأيمن واُعلن عن استشهاده في الساعة الحادية عشرة من مساء ذات اليوم، ليوارى الثرى في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك في مدينة دمشق.
بارتقاء أبو الوليد خسرت فلسطين علماً مميزاً من أعلامها وقائداً عسكرياً وسياسياً قلَ نظيره.
حيث وصفه ياسر عرفات " لقد كان أبو الوليد رُكنا شامخاً من أركان بنائنا الوطني، كان عسكرياً مثالياً، مُخلصاً في أداء مهامه، كفؤاً في إدارة شؤون قواتنا المنتشرة على مساحة الوطن العربي كُله، وكان رحمه الله نموذجاً في الرأي والمثابرة والعطاء"
وفي قمَة فاس وأمام الملوك والرؤساء العرب خاطب الملك حسين الرئيس ياسر عرفات قائلاً: "إن صمودكم وادائكم الرائع في بيروت ارتبط بجنرال يفخر الجيش الأردني أنه كان من بين قادته، إنه الجنرال الكفؤ سعد صايل".
رحم الله القائد الكبير سعد صايل أبو الوليد وأسكنه فسيح جناته.