خليل الوزير (أبو جهاد) (1935- 1988)

2022-08-11

كان خليل الوزير"أبوجهاد" الرجل الثاني في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وأحد مؤسسيها مع الرئيس ياسرعرفات، وناضل إلى جانبه لأكثر من ثلاثين سنة، وتولى منصب نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية.

عُرف "أبوجهاد" خلال مسيرته الكفاحية الحافلة بالإلتزام المطلق بفلسطين وبالنضال في سبيلها، متمسكا بالوحدة الوطنية وبالقرار الوطني المستقل وساعيًا لتحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني.

وفي مواقعه القيادية المتقدمة كان مثالًا لنكران الذات والتواضع وتكريس الطاقات للنضال. وكانت له علاقات واسعة وقوية مع حركات التحرر في الوطن العربي والعالم. وارتبط بعلاقات شخصية قوية مع المقاتلين والثوار. نفذ عمليات فدائية منذ صباه وخطط لعدد كبير من العمليات العسكرية المهمة والمتميزة ضد الاحتلال الاسرائيلي وقواته، أسس حركة الشبيبة في الأرض المحتلة، وتولى مسؤولية دعم وتوجيه الانتفاضة الشعبية الأولى منذ انطلاقتها في تشرين الثاني/ نوفمبر1987، حتى لحظة استشهاده في عملية اغتيال "ضخمة" نفذها جهاز الاستخبارات الاسرائيلي "الموساد" يوم 1988/4/16في تونس.

ولد خليل ابراهيم محمود الوزير "أبو جهاد" يوم 1935/10/10 في مدينة الرملة.
هجِرَ مع عائلته تحت تهديد السلاح وهو في الثالثة عشرة من العمر في ربيع 1948، وتعرض لاطلاق الرصاص من أحد افراد عصابة "الهاجانا" الصهيونية لكنه لم يصب بأذى في ذلك اليوم الذي اعتبره أسوأ ايام حياته. وتوجه من الرملة إلى اللطرون فرام الله ثم الخليل، ثم استقر في غزة.
بدأ نشاطه الوطني مبكرا في مدرسة "فلسطين الثانوية"، بغزة وانتخب قائدا للحركة الطلابية فيها. 

أصبح وهو في السادسة عشرة أمينا لسر المكتب الطلابي في "الإخوان المسلمين" في غزة، وكان يشكل  بمبادراته المستقلة "خلايا" من رفاقه للعمل الوطني، واختلف مع "الإخوان" وتركهم لأنه طالبهم بتبني شعار "فلسطين أولا" قولا وفعلا، لكنهم رفضوا تبني وجهة نظره باعتماد الكفاح المسلح. ونفذ خلال هذه المرحلة عددا من الهجمات على أهداف إسرائيلية في المناطق المحيطة بقطاع غزة.
تعرف إلى ياسر عرفات في العام 1954 أثناء إحدى زيارات عرفات إلى غزة  كصحافي شاب، فقد كان  خليل الوزير مسؤلا عن تحرير مجلة "فلسطيننا" الطلابية.

بدأت أول "حلقة" مسلحة شكلها خليل الوزير في العام 1954 عملياتها العسكرية ضد الأهداف الإسرائيلية على خطوط الهدنة، وكان الفدائيون الذين ينظمهم "أبو جهاد" يزرعون الألغام والمتفجرات على طريق دوريات الجيش الإسرائيلي .

اعتقلته السلطات المصرية في العام 1954 إثر عملية عسكرية كان يقودها بنفسه في قطاع غزة.
خطط وشارك في تنفيذ أول عملية عسكرية كبيرة "نسبيا" وهي تفجير خزان مياه" زوهر" قرب بيت حانون بغزة يوم 1955/2/25 .

أبعدته السلطات المصرية من غزة إلى مصر بعد اكتشاف دوره في عمليات التفجير التي طالت أهدافا ودوريات إسرائيلية، وتوجه إلى الإسكندرية ليلتحق بالجامعة لكنه اضطر إلى تركها للعمل، وسافر في العام 1957 إلى السعودية وعمل مدرسا فيها لأقل من سنة غادر، بعدها إلى الكويت ليعمل في التدريس أيضا.
إلتقى ياسر عرفات مجددا في الكويت وشارك معه في اجتماعات تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني.

بادر مع ياسر عرفات إلى تأسيس صحيفة شهرية في تشرين الأول/نوفمبر 1959 هي "فلسطيننا"ـ  نداءالحياة" التي قامت بمهمة التعريف بحركة فتح ونشر فكرها ما بين 1959 ـ 1964، واستقطبت من خلالها العديد من أعضاء المجموعات التنظيمية الثورية من الفلسطينيين المنتشرين في الدول العربية.

تزوج في 1962/7/19، من ابنة عمه ورفيقة دربه في الكفاح انتصار الوزير في غزة، ورزقا بخمسة من الأبناء والبنات.

سافر مع ياسر عرفات إلى الجزائر في العام 1963 حيث تم تاسيس أول مكتب لحركة "فتح"، وتولى جمال عرفات مسؤوليته ليعقبه "أبو جهاد "بعد ذلك بأشهر قليلة في نهاية 1963.

نجح خلال توليه مسؤولية مكتب فتح في الجزائر في تعزيز العلاقات مع الحكومة الثورية الجزائرية، فحصل على موافقتها على قبول آلاف الطلاب الفلسطينيين في جامعات الجزائر وعلى مئات البعثات الطلابية وعلى السماح بالتدريب العسكري لطلاب فلسطينين في الكلية الحربية الجزائرية، وعقد في الجزائر أول صفقة عسكرية للثورة.

أقام أول إتصالات مع البلدان الإشتراكية خلال وجوده في الجزائر، وفي عام 1964 توجه برفقة ياسر عرفات إلى الصين التي تعهد قادتها بدعم الثورة فور إنطلاق شرارتها، ثم توجه إلى فيتنام الشمالية وكوريا الشمالية.

خطط عملية نسف خط انابيب المياه (نفق عيلبون) ليلة الأول من كانون الثاني/يناير 1965 والتي اعتمدت تاريخا لانطلاقة الكفاح المسلح للثورة الفلسطينية.

غادر الجزائر إلى دمشق في العام 1965حيث أقام مقر القيادة العسكرية لقوات الثورة الفلسطينية، وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين. 

اعتقل هو وياسرعرفات وعشرة أخرين من مناضلي "فتح" في دمشق قي شباط 1966 بعد مقتل يوسف عرابي وهو بعثي  فلسطيني وكان ضابطا في الجيش السوري، ومحمد حشمة وهو فلسطيني ينتمي الى حزب البعث (الجناح العراقي).
 شارك في حرب 1967 بتوجيه عمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي في الجليل الأعلى في شمال فلسطين المحتلة منذ العام 1948.
ساهم مع رفاقه في قيادة قوات الثورة الفلسطينية في التصدي لقوات الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة بالأردن في 1968/3/21وعين بعدها نائبا للقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية،  إضافة إلى عضويته في اللجنة المركزية لحركة فتح، وشارك في معارك الدفاع عن الثورة في الأردن في العامين 1970ـ1971.

انتقل مع رفاقه في العام 1971 إلى لبنان حيث انخرط في قيادة عمليات إعادة البناء وتدريب المقاتلين والتحضير للعمليات الفدائية داخل الأرض المحتلة.

بعد اغتيال إسرائيل لكمال عدوان في 1973 في بيروت تولى "أبو جهاد"مسؤولية القطاع الغربي " الأرض المحتلة" في" فتح"، واستمر متحملا تلك المسؤولية حتى استشهاده.

خلال توليه مسؤولية القطاع الغربي خطط لعدد كبير من العمليات الفدائية وأشرف على تنفيذها، ومنها عملية فندق (سافوي) في تل أبيب وعملية انفجار الشاحنة المفخخة في القدس في العام 1975 ، عملية قتل البرت ليفي كبير خبراء المتفجرات الإسرائيليين ومساعده في نابلس عام 1976، عملية الساحل "الشاطىء" بقيادة دلال المغربي  في العام 1978، عملية قصف ميناء ايلات عام 1979، قصف المستوطنات الشمالية بالكاتيوشا عام 1981، أسر 8 جنود  إسرائيليين في لبنان ومبادلتهم بنحو 4500 أسير لبناني وفلسطيني في جنوب لبنان ونحو 100 من أسرى الارض المحتلة، وعملية اقتحام وتفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور في العام 1982 وعملية مفاعل ديمونة عام 1988 . 

غادر بيروت بحرا بعد مشاركته في قيادة قوات الثورة الفلسطينية في الصمود تحت الحصار الإسرائيلي "حزيران /يونيو، آب/أغسطس 1982 ". وتوجه بعد ذلك إلى سورية  للإقامة فيها، وواصل التردد على لبنان حيث كانت تتواجد وحدات من قوات الثورة الفلسطينية .

تولى إدارة حرب الاستنزاف ضد إسرائيل خلال العامين 1982-1983 في جنوب لبنان .

قررت السلطات السورية منعه من "دخول الأراضي السورية أو الأراضي التي تديرها سورية" في صيف 1983 في الفترة التي كان المنشقون يحاولون خلالها السيطرة على حركة فتح بدعم  من الحكومة السورية،فتوجه سرا إلى  لبنان حيث قاد قوات الثورة في التصدي للمنشقين والقوات السورية .

قاد معارك التصدي للمنشقين والقوات السورية في طرابلس بشمال لبنان قبل أن ينضم له ياسر عرفات الذي وصل سرا عبر البحر من قبرص ،وحوصرا مع قوات الثورة فيها حتى  19 كانون الأول/ديسمبر 1983حين غادر طرابلس بحرا برفقة ياسر عرفات والقوات الفلسطينية.

تولى رئاسة الجانب الفلسطيني في اللجنة الأردنية ـ الفلسطينية المشتركة لدعم الأهل في الأرض المحتلة منذ بداية العام 1984 إلى صيف1986 حين قررت السلطات الأردنية  إغلاق 25 من مكاتب المنظمة في الأردن وطلبت منه المغادرة خلال 24 ساعة وتوجه بعدها إلى بغداد .
من مقره الجديد في بغداد واصل "أبو جهاد" عمله كنائب للقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، وكمسؤول عن الكفاح المسلح داخل الأرض المحتلة، وقاد وفد "فتح" في جلسات الحوار الوطني، التي جرت في عدة عواصم، ونجح في التوصل إلى اتفاق أتاح عقد الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني "دورة الوحدة الوطنية " في الجزائر في العام 1987.

فور اندلاع الانتفاضة الشعبية في الأرض المحتلة في خريف العام 1987تولى مسؤولية دعمها وإسنادها وتنسيق فعالياتها بالتشاور مع القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة "السرية" في الأرض المحتلة .

كان يتردد على تونس حيث مقر المنظمة ومقر إقامة أسرته باستمرار ويمكث فيها بضعة ايام فقط، لكنه مكث 15 يوما في الزيارة الأخيرة له في ربيع 1988. واغتالته فرقة كوماندوز إسرائيلية حين فاجأته وهو يعمل في منزلة ليلة  16 نيسان/أبريل 1988 وأطلق عليه أفرادها نحو 70طلقة فاستشهد فورا، وشاركت في عملية اغتياله طائرتان عموديتان و4 سفن وزوارق مطاطية استخدمت لإنزال نحو 20 عنصرا من وحدة الاغتيالات الإسرائيلية . 

نقل جثمانه إلى دمشق وشيع في موكب جنائزي مهيب، شارك فيه أكثر من نصف مليون من اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين السوريين والعرب في مخيم اليرموك.