مؤسسة ياسر عرفات تحيي الذكرى السنوية الخامسة عشرة لاستشهاد القائد المؤسس (2019/11/10)

2019-11-10

أحيت مؤسسة ياسر عرفات الذكرى السنوية الخامسة عشرة لاستشهاد القائد المؤسس ياسر عرفات، في قصر رام الله الثقافي، مساء اليوم الأحد 2019/11/10، منحت جائزة ياسر عرفات للإنجاز 2019  لكل من جامعة الاستقلال ومركز المعمار الشعبي الفلسطيني "رواق".

جاء ذلك، بحضور رئيس الوزراء د. محمد اشتية، وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة المركزية لحركة فتح، ووزراء، وسفراء دول عربية وأجنبية، وحشد شعبي وجماهيري.


وقال د.ناصر القدوة رئيس مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات في كلمته، نلتقي في هذه المناسبة الوطنية لنؤكد "وفاءُنا لياسر عرفات، وإلتزامنا بما خطه لنا، ولنشحذ الهمم استلهاماً من تجربته لمواجهة الصعوبات الكبرى التي تحيق بنا".


في ذكرى الرحيل نستذكر اغتيال إسرائيل للرئيس المنتخب الأول للشعب الفلسطيني ونحاول استخلاص العبر، ولأن الحاضر والمستقبل الفلسطيني مُقلق بسبب موقف الإدارة الأميركية الحالية، وانتشار الشعبوية اليمينية ببعض بلدان العالم، والتطرف اليميني والأصولي الديني إلى حد العنصرية في اسرائيل.
وتابع القدوة، إن التيار الشعبوي اليميني بدأ بالتراجع في بعض البلدان، وتراجعت بعض النظريات أيضاً كإمكانية التلاقي العربي الإسرائيلي ضد خطر مركزي مفترض مع تجاوز القضية الفلسطينية. 


وأرجع القدوة المشكلة في عدم بناء خطوط دفاعية في المرحلة السابقة، وعدم الاستعداد إلى التقدم للأمام حالياً، مؤكداً على صعوبة الوضع الفلسطيني وهي الخطوة الأولى لتجاوز الصعوبة وبناء واقع أفضل.


وأوضح القدوة بأن الصعوبة يمكن جمعها في إشكاليات ثلاث: في البنية والإستراتيجية السياسية وبناء الإنسان.
وشدد القدوة على أهمية تشكيل موقف جمعي لمعالجة الإشكاليات الثلاث، وأن الجميع يتحمل المسؤولية، مشيراً إلى أن هناك حلول لإشكالياتنا وتم اقتراح بعضها سابقاً.


ومن جهة أخرى قدم القدوة مُلخص عن عمل المؤسسة ومهمتها في الحفاظ على إرث عرفات ونقله للأجيال القادمة، والاعتناء بأرشيفه ومقتنياته، والبرامج المتمثلة بجائزة ياسر عرفات للإنجاز، ومسابقة المعرفة الوطنية، ومخيمات ياسر عرفات.


هذا بالإضافة إلى الندوات واللقاءات التي تُنظمها المؤسسة، مثل ملتقى الحوار السنوي في القاهرة، المجلة الفصلية في عصر غياب القراءة، ومجلة أوراق فلسطينية، مشيراً إلى إطلاق المؤسسة قريباً لبرنامج حاسوب حول أملاك لاجئي فلسطين. أن المتحف يُكريس الثقافة الوطنية التعبوية وتقديم الرواية الفلسطينية، وأن المتحف يقوم بإضافة عدة لغات هي: الفرنسية والاسبانية والروسية والصينية والألمانية على أجهزة الاستماع الخاصة بأفلام الفيديو، إلى جانب العربية والانجليزية اللغتين الأساسيتين للمتحف، كما أنه سيطلق جولة افتراضية جديدة وحديثة تُمكن زوار الموقع من معايشة تجربة أقرب إلى الحقيقة فيما يتعلق بالمتحف.


من جهته أكد د. محمد اشتية رئيس الوزراء، ياسر عرفات وإخوانه في قيادة حركة فتح، رسموا الطريق من رماد النكبة، وساروا على جمر الثورة، وحولوا القضية الفلسطينية من قضية لاجئين الى قضية شعب له حقوق وطنية وسياسية وتقرير مصير وإلى الدولة، دولة فلسطين، وعاصمتها القدس.
وأضاف اشتية إن حركةَ فتح وحكومتها في حالة تصدٍ وصمودٍ وبناء، مع شركاءنا نقودُ الكفاحَ ضدَ المشروع الاستعماري الصهيوني ومواجهة سياسته، وتناضل من أجل إنهاء الاحتلال وانتزاع الحق بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المبنية على المعايير الدولية والقيم الإنسانية.


وتابع إن فتح أقامت الديمقراطية في غابةٍ من البنادق، تحتكمُ اليوم إلى الشعب من خلال ما طرحه الرئيس أبو مازن بأن المدخلَ لإنهاء الانقسام هو الديمقراطية الانتخابية والتوجه نحو إجراء الانتخابات ووقف الجدل العبثيّ الذي لم يوصلنا إلى هدف إنهاء الانقسام. يتم تجسيدُ المدرسةَ الوطنية الفلسطينية تحت مظلةِ منظمة التحرير الفلسطينية والتي كان أبو عمار يسميها محقا (ديمقراطية غابة البنادق).


وأضاف اشتية أنه في ظل انسداد الأفق السياسي، فإن استراتيجية الانفكاك المتدرج اقتصاديا وخدماتيا يمهدُ الطريقَ ليكونَ الاقتصادُ رافعةً للسياسة ويُبقي روحَ الاشتباك مع الاحتلال حيّة، وبما يوجب أن يرافق ذلك من مقاومه شعبية، وتدفيع الاحتلال ثمنَ جرائمه الى أن يندحر.


أما صفقة القرن التي تساقط عناصرُ مؤلفيها، باستقالة غرينبلات، فلم تجد الولايات المتحدة شريكا لها فيها، لا في أوروبا ولا عند العرب، ولا في فلسطين. وإن كنا لا نعرف محتواها حتى هذه اللحظة، فإننا نعرف ما ليس فيها: ليس فيها القدس، وإزالة المستعمرات، ولا حق العودة للاجئين، ولا دولة على حدود 1967. وعليه، فإن صفقة القرن التي تأجل اعلانُها العديد من المرات، تعبّرُ عن فشلٍ في إحلال السلام بعد أن قدمت الإدارة لإسرائيل كل ما يريده نتنياهو: القدس، حرب على الانروا، إغلاق مكتب فلسطين في وشنطن، تجفيف المصادر المالية للسلطة وغيرها. كل هذا أعطي سلفةً سياسيةً لنتنياهو دونَ أن يدفعَ أي ثمنٍ.


إن العالمَ، والأوروبي والعربي خاصة، مُطالبون بالتحضير لمرحلة ما بعدَ فشلِ صفقةِ القرن، على أرضيةِ القانون الدولي والشرعية الدولية وفي اطار مؤتمرٍ دوليٍّ بعد أن أخفقت المفاوضات الثنائية في إنهاء الاحتلال.


وعرضت المؤسسة بعد ذلك فيلماً وثائقياً قصيراً من انتاجها بعنوان جرائم، عن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة باستمرار ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
وقدم الفنانان عامر حليحل وحبيب شحادة عرضاً إدائياً بعنوان "كم كنت وحدك" مستوحى من شعر محمود درويش وأحمد دحبور، وموسيقى.
من جهته، قال د.نبيل قسيس رئيس لجنة الجائزة عضو مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات، إن لجنة الجائزة تلقت عشرات الترشيحات، التي درستها بعناية وفق نظام منح الجائزة، وتمنت حظاً جيداً للذين تقدموا ولم يحالفهم الحظ بالفوز.


وأعلن د.نبيل، عن فوز كل من مركز المعمار الشعبي "رواق"، وجامعة الاستقلال بجائزة ياسر عرفات للانجاز للعام 2019.
وقام اشتية والقدوة وقسيس بتسليم الجائزة إلى د.خلدون بشارة المدير التنفيذي لمركز رواق وإلى اللواء توفيق الطيراوي رئيس مجلس أمناء جامعة الاستقلال، وألقى كل منهما كلمة قصيرة بمناسبة الفوز بالجائزة.


واختتمت فرقة الكمنجاتي الحفل بأداء أغاني وطنية اختارتها لهذه المناسبة.


وكان الحفل قدأ بدأ الساعة السادسة مساء أمس بالنشيد الوطني الفلسطيني، وآيات من القرآن الكريم رتلها الشيخ فراس قزاز، وتولت الإعلامية كوثر الزين عرافة الحفل.


يذكر أن جائزة ياسر عرفات للانجاز، جائزة سنوية تمنحها مؤسسة ياسر عرفات سنوياً منذ تأسيسها في العام 2007، وتتضمن الجائزة مجمساً خاصة وشهادة براءة الجائزة ومبلغاً مالياً وهو خمسة وعشرين ألف دولار أميركي.


وفيما يلي كلمة د. ناصر القدوة

دولة السيد/ محمد اشتية... رئيس الوزراء
السادة أعضاء اللجنة التنفيذية وأعضاء اللجنة المركزية والوزراء
السيدات والسادة ممثلو الدول والبعثات
السيدات والسادة أعضاء مجلس إدارة ومجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات
السيدات والسادة – الحضور الكريم
أرحب بكم باسم مجلس أمناء ومجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات في الذكرى الخامسة عشر لاستشهاد القائد المؤسس. وأتشرف في احتفالنا السنوي هذا أن أنقل لكم تحيات الرئيس محمود عباس الرئيس الفخري لمؤسسة ياسر عرفات وتحيات السيد عمرو موسى رئيس مجلس أمنائها.
في ذكرى الرحيل نستذكر اغتيال إسرائيل للرئيس المنتخب الأول للشعب الفلسطيني ونحاول استخلاص العبر، ونحاول في هذا اليوم، يوم الوفاء وتجديد العهد، الاستعانة بما خطه لنا عرفات في مواجهة كل ما يحيق بنا من مصاعب. 
في ذكرى الرحيل نتقدم لكم أيضاً بملخص عن عمل مؤسسة ياسر عرفات ومهمتها المتمثلة في الحفاظ على إرث ياسر عرفات ونقله للأجيال القادمة، وهي مهمة تزداد أهميتها بعد مرور خمسة عشر عاماً على استشهاده ووصول جيل فلسطيني جديد من الذين لم يعايشوا عرفات ولم يعرفوه شخصياً، لم يكونوا معه في مواقع المجابهة. لم يصرخ نحوهم أو يحنو عليهم. لم يقبلهم عرفات ولم يشاكسوه وهم يؤكدون على حقوقهم الديمقراطية. لهؤلاء وللأجيال من بعدهم علينا تقديم اللازم لتعزيز معرفتهم بالقائد المؤسس وتمسكهم به كرمز للهوية الوطنية الفلسطينية المعاصرة وصانع لها.  
وبالإضافة إلى أرشيفه ومقتنياته التي عملت المؤسسة على جمعها اهتمت المؤسسة بجائزة ياسر عرفات للإنجاز التي اكتسبت عبر السنين أهمية وطنية خاصة، إلى جانب برامج المؤسسة الأخرى. تستمر المؤسسة بمسابقة المعرفة الوطنية لتلاميذ الصف العاشر في مدارس الوطن، مرة أخرى الجيل الجديد. ونحن سعداء بأبنائنا بسبب النتائج المبهرة التي يحققوها والتي تدل على استعدادهم الفطري للتجاوب والاجتهاد والانتماء. فقط عندما يعطون الفرصة اللازمة.
نحن بهذه المناسبة نشكر شريكنا في المسابقة وزارة التربية والتعليم على تعاونها التام في هذا المجال وفي المجالات الأخرى بما في ذلك تنظيم الزيارات المدرسية للمتحف. نحن أيضاً سعداء ببرنامجنا الصغير المتعلق بالمخيمات الصيفية، مخيمات ياسر عرفات والتي نعتقد أنها، على قلة عددها، نموذج يحتذى في هذا المجال.
هذا بالإضافة إلى الندوات واللقاءات التي تنظمها المؤسسة بما في ذلك ملتقى الحوار السنوي في القاهرة، ثم المجلة الفصلية القيمة، في عصر غياب القراءة، أوراق فلسطينية.
تستمر المؤسسة أيضاً في الانتاجات الثقافية الوطنية، بما في ذلك الفيلم الوثائقي الذي سيعرض اليوم، عن الجرائم الإسرائيلية العديدة، ونشير أيضاً إلى الجانب المؤسساتي لعمل المؤسسة بما في ذلك الاجتماعات المنتظمة لهيئاتها القيادية والرقابة المالية وغيرها من جوانب العمل.
 الآن ... المؤسسة على وشك إطلاق برنامج حاسوب سهل الاستخدام حول أملاك لاجئي فلسطين، والذي يجب أن يكون أحد المواضيع المركزية في النضال الفلسطيني والذي لم يعطى الاهتمام اللازم. وهو ما دعانا لاتخاذ هذه الخطوة. نحو مائتين وعشرة آلاف لاجئ فلسطيني وفق السجلات الثابتة للجنة التوفيق للأمم المتحدة بشأن فلسطين يملكون نحو 540 ألف قطعة أرض تبلغ مساحتها نحو 5,5 مليون دونم فيما أصبح إسرائيل. وهذه تمثل حقوقاً قانونية فردية لا يمكن إنكارها أو التنازل عنها من أي جهة مفاوضة، ويجب استعادتها. المهم حالياً هو تركيز الاهتمام على هذا الموضوع ووضعه على طاولة البحث واستخدامه كأداة فعالة في النضال من أجل استرداد حقوق لاجئي فلسطين.
وفي متحف ياسر عرفات، المشروع المميز في عمل مؤسسة ياسر عرفات يستمر العمل الجاد لتكريس هذا المتحف، المؤسسة الثقافية الوطنية التعبوية الأهم، التي تقدم الرواية الفلسطينية في متحف الذاكرة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. يستمر الزوار الفلسطينيون والأجانب بالتوافد على المتحف بأعداد مرضية بلغت نحو المائة وخمسين ألف زائر في السنوات الثلاث منذ افتتاحه وهو ما نعتز به. قام المتحف بتطوير هام لعمله وتضمن ذلك إضافة لغات هي: الفرنسية والاسبانية والروسية والصينية والألمانية على أجهزة الاستماع الخاصة بأفلام الفيديو، إلى جانب العربية والانجليزية اللغتين الأساسيتين للمتحف، وتضمن ذلك أيضاً تحسينات هامة على الموقع الالكتروني ووضع جولة افتراضية جديدة وحديثة تمكن زوار الموقع من معايشة تجربة أقرب إلى الحقيقة فيما يتعلق بالمتحف، أو جزء هام منه ويضعه في متداول الجميع، بما في ذلك أهلنا وأصدقاؤنا في الشتات، بسهولة وفي أي لحظة. كذلك تمت إضافة بعض الأعمال الفنية على علاقة بالمتحف وتمت كذلك بعض المراجعات المحدودة.
السيدات والسادة
في ذكرى ياسر عرفات لا يسعنا إلا أن ننظر إلى الوضع الفلسطيني بألم وقلق على حاضرنا ومستقبلنا. نحن نفهم أن جزءاً من هذا الواقع ينبع من أسباب لا سيطرة لنا عليها، مثل ضعف الوضع العربي، ومثل التدهور الشديد في موقف الإدارة الأميركية الحالية، ومثل انتشار الشعبوية اليمينية في الكثير من بلدان العالم، ومثل الانزياح الشديد في إسرائيل نحو التطرف اليميني والأصولية الدينية إلى حد العنصرية. نحن نفهم ذلك وندرك أننا نعيش في عالم صعب ومعقد تتراجع فيه القيم والأخلاق وأحكام القانون، ولكننا ندرك أيضاً أنه عالم متغير تتصارع فيه القوى والإرادات، علينا أن نؤثر فيه بوضع فلسطيني جيد ومتماسك قابل للصمود أحياناً وقادر على التقدم أحياناً.
مؤخراً مثلاً بدأ رموز التيار الشعبوي اليميني في التراجع في بلدانهم، وتراجعت بعض المفاهيم والنظريات مثل إمكانية التلاقي العربي الإسرائيلي ضد خطر مركزي مفترض مع تجاوز القضية الفلسطينية...ونحن ربما نشهد بداية انتهاء مرحلة نتنياهو وما يحمله ذلك من تغيير ولو محدود في إسرائيل. المشكلة أننا لم نكن قادرين على بناء المداميك الدفاعية في المرحلة السابقة ولا نبدو قادرين على الاستعداد ربما للاندفاع إلى الأمام خلال هذه الفترة. علينا أن نقر بصعوبة الوضع الفلسطيني لأن الإقرار بهذا وفهم أسباب هذه الصعوبة هي الخطوة الأولى لتجاوز الصعوبة وبناء واقع أفضل.
الصعوبة برأيي يمكن جمعها في إشكاليات ثلاث: الإشكالية الأولى في البنية والإشكالية الثانية في الإستراتيجية السياسية والإشكالية الثالثة في بناء الإنسان. 
إشكالية البنية تبدأ بالانقسام الجغرافي والسياسي واتساع الهوة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ناهيك عن الهوة مع القدس. وفي الحالة القائمة في منظمة التحرير الفلسطينية، وفي غياب الفرع التشريعي وضعف الفرع القضائي للسلطة وفي ضعف المؤسسات بشكل عام. 
إشكالية الإستراتيجية السياسية تبدأ بغياب الرؤية البديلة للمشاريع المعادية مثل صفقة القرن بشكل يوحد الشعب ويقنع العالم. وفي غياب مركزية مقاومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي لبلادنا ومقاومة سياساته الأخرى. وفي كيفية إعادة بناء رافعتنا العربية وتحالفاتنا الدولية.
 إشكالية بناء الإنسان تبدأ بالحالة السيئة للتعليم والصحة وفي عدم القدرة على إنهاء الفقر والبطالة وكذلك في تعميق الوعي بدمقرطة العلاقات السياسية والاجتماعية وقبول الانتخابات وتداول السلطة والمحاسبة ودحر الفساد المستشري. 
ماذا علينا أن نفعل؟ علينا تشكيل موقف جمعي لمعالجة الإشكاليات الثلاث وجميعنا نتحمل المسؤولية في هذا المجال. ونعم هناك حلول لإشكالياتنا. تم اقتراح بعضها سابقاً. لكن لا يوجد حلول فردية فالأمر يحتاج إلى حوارات واسعة وتوافق عريض وصولاً للموقف الجمعي المشار إليه أعلاه. ونحن في المؤسسة على استعداد للمشاركة بنصيب متواضع في مثل هذا الحوار.  
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
المجد والخلود للقادة العظام أبو جهاد وأبو إياد وكل القادة
التحية كل التحية لأسرانا البواسل
الشفاء لجرحانا الأبطال
رحم الله ياسر عرفات

كلمة رئيس الوزراء د. محمد اشتية
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوات والإخوة،
الحضور الكرام،
نحتفي اليوم بالذكرى الخامسة عشر لاستشهاد ياسر عرفات، ونلتقي هنا وفاءً لرجل، والتزاماً بقضية، وتلمساً لتجربةِ رجلٍ فريد.
إن القائدَ هو الذي يعرفُ الطريق، ويسيرُ عليها، ويبينُ ملامحَها للناس، ويرسمُ على جنباتها الأمل، مدفوعا بقدره على تحويل رؤياهُ إلى حقيقة. والقائدُ متفردٌ في قدرته وفي ما يميزه عن الآخرين. كثيرون رأوا التفاحة تسقط، لكن شخصا واحدا سأل عن سبب سقوطها وفسّرَهُ للآخرين.
ياسر عرفات وإخوانه في قيادة حركة فتح، حركتنا العظيمة، رسموا لنا الطريق من رماد النكبة، وساروا على جمر الثورة، وحولوا قضيتنا من قضية لاجئين الى قضية شعب له حقوق وطنية وسياسية وتقرير مصير وإلى الدولة، دولة فلسطين، وعاصمتها القدس.
في تيه النكبة، لم يلحق عرفات بالناس التائهة في صحراء العرب وأحزابها السياسية، بل جعل الناسَ يلحقون به، وينضمون له في فتح: التنظيم الجديد ذو النكهة المعطرة بالتضحية والفداء.
كانت حكمةُ إخواننا الأوائل تقتضي أن يعرفوا ماذا سيعملون، والمهارة كانت تقتضي أن يعرفوا كيف يعملون والفضيلة أنهم عملوا. عملوا ثورة، قالوا إنها فلسطينيةَ الوجه، عربيةَ العمق، إنسانيةَ الأهداف.
وقالوا للفصائل: اللقاءُ في الميدان. وقالوا: لا نتدخل في أحد ونقصُ أصابعَ من يتدخل فينا. وقالوا: قرارُنا الوطني مستقل. وقالوا: إحنا ثوريين مش آيديولوجيين نسعى لخلق الإنسان الواعي الذي يربط الهدفَ بالوسيلةِ ويصنعُ النصرَ.
فتح ضمّت الجميع: من أبناء الطبقة الوسطى والمثقفين واللاجئين والعمّال والفلاحين، فيها عمّال أكثر من حزب العمّال، وفيها يساريين كثر، وفيها رجالُ أعمالٍ ورجالُ دين وشبيبةٌ ونساء. هي حركة الشعب الفلسطيني، وهي مقطعٌ أفقيٌ من جميع شرائح الشعب الفلسطيني.
أبو عمار، صاغَ فتح على طريقته، ليعطها دورَها الطليعي ومكانتها الجماهيرية ورمزيتها النضالية.
الطليعي ومكانتها الجماهيرية ورمزيتها النضالية.
إن حركةَ فتح اليوم في حالة تصدٍ وصمودٍ وبناء، ونحن حكومتُها مع شركاءنا نقودُ الكفاحَ ضدَ المشروع الاستعماري الصهيوني ومواجهة سياسته، وهي التي تبني المجتمع وتناضل من أجل إنهاء الاحتلال وانتزاع الحق بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المبنية على المعايير الدولية والقيم الإنسانية، دولةً لكل المواطنين الأحرار.
إن الصِراعَ في بدايته استند الى الأرض، وتوسع ليشمل الحقوقَ الفرديةَ والجمعية لشعبنا، وقلنا إنه لا يوجد شكلٌ كفاحيٌ واحدٌ، بل إن أشكالَ النضال تخضعُ للظروفِ والإمكانياتِ والقدرةِ على تحويل التضحياتِ إلى إنجازات.
فتح التي أقامت الديمقراطية في غابةٍ من البنادق، تحتكمُ اليوم إلى الشعب من خلال ما طرحه الرئيس أبو مازن بأن المدخلَلإنهاء الانقسام هو الديمقراطية الانتخابية والتوجه نحو إجراء الانتخابات ووقف الجدل العبثيّ الذي لم يوصلنا إلى هدف إنهاء الانقسام. إن أبو مازن، ومعه فتح، يُجسدُ المدرسةَ الوطنية الفلسطينية تحت مظلةِ منظمة التحرير الفلسطينية والتي كان أبو عمار يسميها محقا (ديمقراطية غابة البنادق).
إن مفهومَ فتح للديمقراطية بسيط وهو "الوطن للجميع" ولكل من التزم بالوطن. لم يتخرج ياسر عرفات من مدرسة التصفية لخصومه بل تخرج من مدرسة التمييز بين العدو والصديق، بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي. لذلك لا تجد في قاموس فتح أو قاموس عرفات أو قاموس أبو مازن مصطلحَ "الحسم العسكري" مع أبناء الوطن بل رفضتها فتح. كانت فتح تدفع دائما نحو الوحدة الوطنية، وإذا كنا أقمنا ديمقراطيةً في غابةٍ من البنادق فإننا نستطيع أن نعيدَ ديمقراطيةَ البرلمانِ المنتخب، والرئيسِ المنتخب، من أجل الإطار التشريعي والتنفيذي والشرعيه الوطنية وأهمية تجديدها.
وتحقيقُ وحدتِنا تحتَ سقفِ البرلمان سوف يمكِّنُنا، بوجهً امتن، في مواجهةِ السياساتِ الاستعمارية التي تشنُّها علينا إسرائيل، حيث تتصاعدُ وتيرةُ الاستيطان، حيث أصبح عددُ المستعمرين لأرضنا حوالي 711 ألف مستعمرٍ يعيشون في أكثر من 221 مستعمرة، ورغم ذلك ولأول مرة يكون عدد الفلسطينيين بين النهر والبحر أكثر بــ 200 الف شخص من اليهود، كل هذا في ظل حكم عسكري يبدو مديدا وتريده إسرائيل احتلالا دائما. ومع الاستيطان، هناك السيطرة على الأرض والماء والمعابر والمخارج والطرق والاتصالات.
وفي ظل انسداد الأفق السياسي، فإن استراتيجية الانفكاك المتدرج اقتصاديا وخدماتيا يمهدُ الطريقَ ليكونَ الاقتصادُ رافعةً للسياسة ويُبقي روحَ الاشتباك مع الاحتلال حيّة، وبما يوجب أن يرافق ذلك من مقاومه شعبية، وتدفيع الاحتلال ثمنَ جرائمه الى أن يندحر.
أما صفقة القرن التي تساقط عناصرُ مؤلفيها، باستقالة غرينبلات، فلم تجد الولايات المتحدة شريكا لها فيها، لا في أوروبا ولا عند العرب، ولا في فلسطين. وإن كنا لا نعرف محتواها حتى هذه اللحظة، فإننا نعرف ما ليس فيها: ليس فيها القدس، وإزالة المستعمرات، ولا حق العودة للاجئين، ولا دولة على حدود 1967. وعليه، فإن صفقة القرن التي تأجل اعلانُها العديد من المرات، تعبّرُ عن فشلٍ في إحلال السلام بعد أن قدمت الإدارة لإسرائيل كل ما يريده نتنياهو: القدس، حرب على الانروا، إغلاق مكتب فلسطين في وشنطن، تجفيف المصادر المالية للسلطة وغيرها. كل هذا أعطي سلفةً سياسيةً لنتنياهو دونَ أن يدفعَ أي ثمنٍ.
إن العالمَ، والأوروبي والعربي خاصة، مُطالبون بالتحضير لمرحلة ما بعدَ فشلِ صفقةِ القرن، على أرضيةِ القانون الدولي والشرعية الدولية وفي اطار مؤتمرٍ دوليٍّ بعد أن أخفقت المفاوضات الثنائية في إنهاء الاحتلال.
إن فلسفة مشاركة طرف ثالث في العملية السياسية جاءت من أجل ردم الهوة في العلاقة غير المتوازنة بين المحتل (القائم بالاحتلال) والمحتل (الواقع تحت الاحتلال)، على طاولة المفاوضات. هذا الطرف الثالث الذي كان دائما امريكيا متحيزا لإسرائيل، كانت مشاركته دائما تجعل من طاولة المفاوضات غير متوازنه اكثر مما هي عليه. لذلك من المهم كسر احتكار واشنطن للعملية السياسية واستبدال ذلك بمؤتمر دولي.
كان ياسر عرفات استاذاً في مدرسة إدارة الصراع غير المتكافئ وخلايا اضرب واهرب، وبناء الجبهة المساندة وحرب التحرير الشعبية. عَشقَ عرافات الجماهير ونسج مع كلٍ منهم علاقةً خيطيةً. من منا ليس لديه حكاية مع ياسر عرفات؟
فتح أبوابه بدفئٍ وحنان. غاصَ في تفاصيل حياة الناس وتلمسَ ألَمَهم وفرحهم: من إمرأه ضربها زوجها على بيدر قمح، الى لقاء مع رئيس البيت الابيض، وفي كل ما بينهما.
رجل المخاطر العالية: في الأغوار الى جبل الشيخ، ومن كهوف قباطية الى جبل النار والقدس، ومن بيروت الى طرابلس، ومن تونس الى غزة وأريحا، ولاحقا رام الله والخليل ونابلس وجنين وطولكرم وبيت لحم وقلقيلية وسلفيت.. ومن حصارٍ الى حصار.
وكان يرددُ الآيةَ الكريمة: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".
بثَّ الحياة في شعبِ الجبارين. وفي يومٍ واحد، عندما وَصلَ أريحا أولَ مرة صافحَ وتصوّر مع آلافٍ من الفلسطينين. عرفات المسجّى ليس بعيدا من هنا، حمَل أمام نعشه زهرةٌ وشبلٌ علماً وأقسما أن سيُرفع على مآذن القدس وكنائسها.
وعندما بنينا الضريح جعلنا فيه كل الرمزيات التي أحبها أبو عمار، فهو مكعب الشكل 11x11x11م3، وجعلنا الماءَ يحيطُ به من 3 جهات وكأنه يطفو على الماء رمزَ المؤقت، و مدَدَنا القبرَ على سكّةٍ من خطين حديديين أملا بوصول القطار الى القدس.
أخيراَ أقول :
تعلمنا من التاريخ أن القائدَ يمسكُ شمعةً ليضيءَ بها الطريق لشعبِه، وهناك قائدٌ يمسك مرآة تعكسُ ضوءَ الشمعة. عرفات أمسك بالشمعةِ والمرآةِ معاً.
شمعةُ عرفات تضيءُ طريقَنا إلى القدس والعودة، ومرآةُ عرفات نرى فيها وحدتَنا الوطنية، ونراهُ فيها، ونرانا فيها، لأن في كلٍ واحدٍ منا شيءٌ منه.
 
وشكراً