ندوة لد. ناصر القدوة: السياسات الشرق أوسطية للإدارة الأمريكية وخطتها المرتقبة

2019-10-08

بداية نتوقف عند العدوان على غزة/ نحن مع شعبنا هناك 
بالنسبة للعنوان لاحظو: عدم استخدام تعبيرات مثل صفقة القرن لأن هذا غير صحيح من حيث المبدأ. 
السبب في عقد الندوة: كثرة الحديث عن الموضوع وزيادة محاولات التمويه وربما الخديعة.

- نبدأ بالمواقف التي اتخذتها الإدارة الأمريكية والإجراءات التي قامت بها بشأن الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي.

1. رفض الإلتزام بحل الدولتين أو تأييد هذا الحل: بداية بتصريحات الرئيس ترامب "لست مع حل الدولتين ولست مع حل الدولة الواحدة، أنا مع الحل الذي يتفق عليه الجانبين"، ثم رفض تأييد هذا الحل مراراً من قبل المسؤولين في الإدارة.
هذا لا يمثل فقط تراجع عن حل الدولتين كصيغة للحل السياسي وإنما أيضاً تراجع عن القبول بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، مثل حق تقرير المصير ومثل وجود دولة فلسطين.

2. رفض تأكيد معارضة بناء المستعمرات. لا كموقف عام ولا كرد فعل على مشاريع البناء والتوسع الإسرائيلي. من حيث الجوهر رفض عدم قانونية المستعمرات أو حتى الإقرار بالضرر الذي تلحقه المستعمرات بالوضع واحتمالات تحقيق السلام. عملياً: لم يصدر أي تعليق يعارض أو ينتقد أي مشاريع بناء اسرائيلية. بالنسبة لإسرائيل مثّل هذا موافقة أمريكية على استمرارها بفعل ما تريد في مجال الإستعمار الاستيطاني.
3. عدم تأكيد المركز القانوني الضفة الغربية وقطاع غزة كأرض محتلة (تقرير حالة حقوق الإنسان لوزارة الخارجية أسقط هذه الصفة عن الضفة الغربية والجولان). لاحقاً رفض اتخاذ هذا الموقف في مواجهة أسئلة مباشرة من ممثلي وسائل الاعلام. 

- رافق هذا حرب بأدوات دبلوماسية في الأمم المتحدة، ضد الموقف الأممي حول كافة جوانب الصراع، وضد التحركات الفلسطينية هناك. محاولة تحييد المنظمة الدولية وتحييد القانون الدولي والإمعان في هذا (مهاجمة إدارة أوباما بسبب القرار 2334 ومحاولة التدخل لمنع اعتماده حتى قبل تولي الإدارة الجديدة لمسؤولياتها).

4. الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والبدء بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى هناك (إعلان الرئيس في ديسمبر 2017) ثم نقل السفارة بالمعنى القانوني (مكتب السفير...) والآن العثور على قطعة أرض لبناء السفارة الجديدة. ثم إنهاء الوضع المستقل للقنصلية العامة في القدس الموجودة منذ العام 1876 والتي تتولى العلاقة مع الجانب الفلسطيني. وهو ما يعني أيضاً إغلاق الباب حتى أمام فكرة الترتيبات الدولية والأهمية الدولية للقدس.
* مارست الإدارة ضغوط على دول أخرى للقيام بنفس الخطوة. 
* أعلنت أكثر من مرة أن موضوع القدس قد أزيل عن الطاولة. 

5. وقف تمويل الأنوروا واتخاذ موقف يطالب بحل الوكالة واتخاذ إجراءات عدائية لها. كان هذا مقدمة شرسة لمحاولة إنهاء موضوع اللاجئين. هناك الآن حديث لتقديم تعويضات للدول المضيفة في إطار الخطة الأمريكية.
6. وقف أية تمويل أو مساعدات للسلطة الفلسطينية أو بالنيابة عنها من قبل usaid، وكل المنظمات الأخرى. الرقم غير واضح بالنسبة لي ولكنه يبدو أنه حوالي 300 مليون دولار سنوي.
- الكونغرس قام بدور أيضاً كجهة معادية بشكل موازي مع الإدارة. احياناً بالإعتماد على قوانين قديمة وأحياناً بتشريعات جديدة.
*تم إغلاق مكتب تمثيل الفلسطيني (تتحمل الإدارة والكونغرس مسؤولية هذا). تشريع لوضع أي متلقي للمساعدات الأمريكية تحت ولاية المحاكم المحلية أدى لوقف المساعدات حتى للأجهزة الأمنية التي كانت مستثناه من الوقف الأصلي للإدارة.

7. آلية وضع ما يسمى لخطة السلام أو صفقة القرن والتي تتم بإشراف فريق ثلاثي ليس منهم أي خبير، وليس منهم أي محايد ومنهم واحد على الأقل معادي تماماً بشكل عملي. "السفير فريدمان". لم يكن هناك مساهمة حقيقة في وضع الخطة (ربما محاولة لتسويق بعض عناصرهم) لا مع الجانب الفلسطيني ولا مع الجانب العربي- الأردن ومصر.
ماذا يعني كل ماسبق: 
يعني أن مواقف الإدارة وإجراءاتها الخاصة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تشكل سياسة عامة خارجة عن مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وتمثل انتهاك جسيم للقانون الدولي، وتنكر الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني (وجود دولة فلسطين) وتحاول تقويض التوافق الدولي على أسس لحل السياسي التفاوضي وتجر الصراع إلى وضع جديد أو مستوى مختلف.
وهي هكذا، أي السياسة العامة، تشكل مزيج بين رغبات المسيحيين الصهاينة (جزء من الإنجيليين) ورغبات المستعمرين الإسرائيليين واليمين المتطرف الإسرائيلي تم بناء تحالف بين هؤلاء وبين الحزب الجمهوري.
 - الهدف الأساسي هو تمكين اسرائيل من الإستمرار في مشروعها التوسعي من خلال شرعنة الإستعمار الإستيطاني وخطواتها غير القانونية بشأن القدس (الجولان) ومن خلال أنكار الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني (لاحظ الترابط بين الأمرين).

قبل الذهاب إلى الخطة الأمريكية أريد أن أشير إلى سياسة عامة شرق أوسطية أخرى للإدارة الأمريكية ، وهي الدفع باتجاه اعتبار ان اسرائيل ليس الخطر الرئيسي في المنطقةوإنما ايران، ومحاولة تغيير الأوضاع والتحالفات في المنطقة بناء عليه.وحتى محاولة بناء تحالف ضد ايران، سواء كان تحالف يضم إسرائيل أو ناتو عربي، اي عرب وأمريكان. المشكلة هنا في تعبير "الرئيسي" وليس في وجود خطر تشعر بعض دول المنطقة أنه قادم من ايران. نحن لدينا مشاكل مع السياسة الإيرانية في المنطقة ونوافق على ضرورة مواجهتها أولاً سياسياً وربما حتى بوسائل أخرى. ولكن دون تغيير مركزية الخطر الإسرائيلي في المنطقة وحتماً دون مشاركة اسرائيل في المواجهة. 

لماذا اسرائيل الخطر الرئيسي : ليس فقط القضية الفلسطينية وما تعنيه وانجاز أيضاً العقلية التوسعية الإسرائيلية التي تهدد عدد من الدول العربية وعقلية الهيمنة السياسية والاقتصادية.
ولماذا ليس من الحكمة اشراك اسرائيل في حل مشاكلنا مع ايران. لأن العربي المسلم لا يستطيع أن يبدو أنه متحالف مع إسرائيل في مواجهة مسلم آخر.

المفارقة أنه يتضح أكثر فأكثر أنه لا أمريكا ولا اسرائيل ستذهب لحرب ضد ايران لحساب العرب، ما يحدث هو فقط من باب الابتزاز السياسي والمالي وفتح الأبواب لاسرائيل 
ملاحظة حول انهاء الناتو العربي- الموقف المصري: موقف مصر بالانسحاب من الناتو العربي موقف هام جداً وهو يغير المعادلة بدون شك.

الآن ... حول الخطة
لنتفق أولاً أن الناس الطبيعين عليهم أن يكونوا مقتنعين أن اية افكار أو خطط من الإدارة الأمريكية ستكون بنفس اتجاه السياسة الأمريكية العامة التي تحدثت عنها والتي جرى الالتزام بها وتنفيذها. وبالتالي التذاكي الذي يقول" كيف يمكن لأحد أن يكون ضد خطة لم يرها" هو تذاكي سخيف ولا معنى له. لم نرى الخطة ولكننا رأينا ما يكفي.
المنطق والعقل يقول أن أية خطة لن تقر بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ولن تقر بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين(ستقر بالعكس) وستبقى المستعمرات في مكانها وتحاول شرعنتها. وبالتالي التقييم الموضوعي لما يمكن أن يأتي والحكم عليه يجب أن يكون شديد الوضوح. الخطة مثلها مثل السياسة الأمريكية العامة التي رأيناها حتى الآن ستمثل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي وستتنكر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وستحاول تقويض التوافق الدولي على الحل السياسي. هكذا فإنه من المحظور التعامل مع هذه الخطة. المسألة ليست قبولها او رفضها، المسألة أن أية تعامل معها سيشكل انتهاكاً للقانون الدولي يتنكر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وإسهامها في تقويض التوافق الدولي على أسس الحل السياسي.
هل هناك فارق بين السياسة العامة التي رأيناها والخطة المرتقبة؟ فقط من حيث أن الخطة تستهدف محاولة الحصول على موافقة فلسطينية وعربية وربما بعض الجهات الدولية ( أكاد أقول عربياً أولاً) والانخراط مع اسرائيل حولها بما في ذلك تطبيع علاقاتها مع الدول العربية أو بعضها.
وبالتالي مرة أخرى... من المحظور التعامل مع هذه الخطة فلسطينياً وعربياً ودولياً.
ولابد هنا من العمل على تشكيل تحالف واسع ليس فقط لرفض الخطة الأمريكية وانما لطرح خطة بديلة منسجمة مع القانون الدولي وتستجيب للحقوق الوطنية الفلسطينية وتؤكد الأسس المتوافق عليها للحل السياسي( نفس الشيء في حالة عدم طرح الخطة).
يمكن الانتهاء من الحديث عن الخطة هنا، ولكن أطرح بعض التفاصيل الإضافية من باب الفضول السياسي.
أ‌- يقول الفريق الأمريكي أنه عمل بجد وبشكل مكثف ويقولون انهم وضعوا خمسين صفحة تشكل الخطة( أسماها كوشنر مؤخراً اطار تنفيذي معمق أو اطار عملي معمق).
                        (in-depth operational frame work)
طبعاً المسألة ليست بعدد الصفحات ولا طول الخطة. المسألة هي المنطلقات الاساسية. اذا كانت المنطلقات الاساسية خاطئة ستكون النتائج خاطئة. 
بالنسبة للجانب الاقتصادي، يبقى واضحاً وثابتاً ، خاصة في ضوء تجربة أوسلو، أنه لا يوجد تنمية اقتصادية بدون استقلال وطني وحرية القرار. وبالنسبة للشعب الفلسطيني لا يمكن أن يكون هناك قبول للمال مقابل الحقوق الوطنية. أضف إلى ذلك أن معظم المال سيكون لمصلحة اسرائيل في كل الاحوال.

ب‌- لماذا التأجيل المتكرر للإعلان عن الخطة؟ بداية وببساطة أظن أن الأوضاع الداخلية التي واجهتها الإدارة كانت جزء من السبب. ولكن الأسباب الرئيسية كانت شرق أوسطية وأهمها، ان محاولة نسف أو تغيير الأسس العادلة والقانونية والمتفق عليها للحل السياسي أمر صعب للغاية، وبلا شك كان هناك معارضة شديدة لهذا. كان هناك موقف فلسطيني واضح وقاطع، كان هناك معارضة أوروبية هامة إضافة إلى المعارضة الروسية والصينية بطبيعة الحال. الأهم أننا شهدنا عودة بعض الأطراف العربية لتبني الموقف العربي المتفق عليه بالإضافة إلى المعارضة الثابتة لجزء من العرب (الأردن). في النهاية لم يستطع أي عربي قبول مواقف جنونية مثل إعطاء السيادة لإسرائيل على كامل البلدة القديمة في القدس (بما في ذلك الأماكن المقدسة). حتى في إسرائيل، وبالرغم من طبيعة الخطة المنحازة بشكل تام لإسرائيل إلا أن هناك أطراف لا تريدها لأنها تريد كل شيء بالكامل (تريد ضم الضفة).
ت‌- نتيجة ذلك، يبدو لي أن جزء من الخطة –غير الأسس- كان متغيراً وخضع للتغير والتبديل بشكل مستمر تقريباً. أو على الأقل لم يتم حسمه لفترات. ويبدوا لي أن هناك عودة لفكرة الإنتقال أو طرح نقطة بداية وإعطاء وقت للأطراف كي تصل إلى اتفاق نهائي حول بعض قضايا الحل النهائي (هكذا ستكتمل المصيبة).عموماً أنا لست متأكداً من أنه ستكون هناك خطة في شهر يونيو وإن كان هناك مؤشرات نحو ذلك.
ث‌- الخطة طبعاً ستؤكد أن الإدارة الأمريكية لم تعد تستطيع لعب دور الوسيط وأنها فقدت حياديتها بالكامل. 
ج‌- قد تقود الخطة لتشجيع الحكومة الإسرائيلية القادمة على القيام بفرض القانون الإسرائيلي على المستعمرات وهي نفس صيغة القدس الشرقية. تصريحات وزير الخارجية بومبيو وكوشنربأن مثل هذه الخطوة لا تتعارض مع الخطة الأمريكية.                                                             عندها اعتقد أن الجانب الفلسطيني عليه أن يقوم بما يلي خطوتين أساسيتين
أولاً: اعتبار أن كل ذلك يغلق الباب أمام التسوية التفاوضية، وبالمقابل الإصرار على الإستمرار في النضال من اجل إنجاز الإستقلال الوطني في دول فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس بدون تسوية تفاوضية.
ثانياً: حرب شاملة بوسائل غير عسكرية على الإستعمار الإستيطاني محلياً ودولياً.
بالطبع علينا مطالبة دول العالم باتخاذ خطوة بناء عليه.
خطوات أخرى:
- اعادة موضوع ملكية لاجئي فلسطين على الطاولة بسرعة 
- هجوم مضاد في الأمم المتحدة (بما في ذلك حول أوضاع حقوق الإنسان في إسرائيل) الاستفادة من الإجماع ضد أي ضم للأراضي.
- معالجة الأوضاع الداخلية التي هي الأساس بما في ذلك إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.