مصطفى الزِبري "أبو علي مصطفى" (1938–2001)

2024-04-25

ولد مصطفى علي العلي الزبري الملقب بـــ (أبو علي مصطفى) في الخامس عشر من أيار عام 1938 في بلدة عرابة قضاء جنين، من أسرة بسيطة حيث كان والده الحاج علي مزارعاً في بلدة عرابة وعمل سابقاً حدَاداً في سكة حديد وميناء حيفا، تعرف حينها الحاج علي على القائد الشهيد عز الدين القسام في جامع الاستقلال في مدينة حيفا وأصبح من تلاميذه ليشارك في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.


تلقى "أبو علي مصطفى" تعليمه الابتدائي في بلدته عرابة ثم انتقل في العام 1950 مع بعض أفراد أسرته إلى عمان حيث لم يستطع استكمال دراسته الثانوية واضطر إلى العمل في أكثر من مهنة لإعالة أسرته التي مرت بظروف اقتصادية صعبة فعمل مراسلاً في بنك الإنشاء والتعمير، وعمل في منجرة، ومحلٍ للزجاج، وفي مصنعٍ للكرتون، وفي أعمال أخرى بسيطة ومتعددة، وقد أسهم انتماؤه للفقراء والطبقة العاملة إسهاما عميقاً في تكوين فكره وشخصيته وسلوكه، وأكسبه ذلك إحساساً فطرياً بقضايا الكادحين وهمومهم.


في العام 1955 انتسب أبو علي مصطفى الذي كان يبلغ آنذاك 17 عاماً إلى حركة القوميين العرب بعدما تعرف إلى بعض أعضائها من خلال عضويته في النادي القومي العربي في عمان وهو ناد رياضي ثقافي واجتماعي.


وشارك في معارك الحركة الوطنية الأردنية ضد الأحلاف، ومن أجل إلغاء المعاهدة البريطانية– الأردنية والمطالبة بتعريب قيادة الجيش وطرد الضباط الإنجليز من قيادته.


اعتقل أبو علي مصطفى في العام 1957 عدة مرات بسبب التحركات التي كان يشارك فيها، وأطلق سراحه ليُعاد اعتقاله بعد أقل من شهر وقُدم للمحكمة العسكرية بتهمة مناوأته للنظام والقيام بنشاطات ممنوعة والتحريض على السلطة وإصدار النشرات فصدر بحقه الحكم بالسجن لمدة خمس سنوات أمضاها في معتقل الجفر الصحراوي.


في نهاية العام 1962 أطلق سراحه فعاد لممارسة نشاطه في الحركة حيث شكل الخلايا الطلابية وخلايا من الموظفين والفلاحين فتوسعت مسؤولياته الحزبية وعُيَن مسؤولاً للقسم الشمالي من الضفة الغربية وأنشأ فيها منظمتين تابعتين للحركة: الأولى عمل شعبي والثانية عسكرية سرَية.


في العام 1965 خضع أبو علي مصطفى لدورة عسكرية سرَية لتخريج الضباط الفدائيين في "مدرسة أنشاص" في مصر ليتولى بعدها مهام تشكيل مجموعات فدائية فشارك بتأسيس "الوحدة الفدائية الأولى" ضمن "حركة القوميين العرب" والتي كانت معنية بالعمل داخل فلسطين، وأصبح عضواً في "قيادة العمل الخاص" في إقليم الحركة الفلسطيني.


اُعتقل أبو علي مصطفى مرَة أخرى في العام 1966 (وهو العام الذي شهد بداية تشكيل الخلايا المسلحة للحركة و"شباب الثأر" قبل حزيران 1967) خلال حملة واسعة قامت بها المخابرات الأردنية ضد نشطاء الأحزاب والحركات الوطنية وتم توقيفه لعدَة شهور في سجن الزرقاء العسكري قبل أن يطلق سراحه مع العديد من زملائه الآخرين.


في اعقاب حرب حزيران 1967 قام أبو علي مصطفى وعدد من رفاقه في الحركة بالاتصال مع الدكتورين جورج حبش ووديع حدَاد بهدف العودة لممارسة نشاطهم والبدء بالتأسيس لمرحلة الكفاح المسلح، حيث شارك أبو علي مصطفى في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.


منذ انطلاقة الجبهة الشعبية (11/12/1967) قاد أبو علي مصطفى الدوريات الأولى إلى فلسطين عبر نهر الأردن لإعادة بناء التنظيم ونشر الخلايا العسكرية، وتنسيق النشاطات ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.


وتولى في بدايات التأسيس مسؤولية الداخل في قيادة الجبهة الشعبية ثم المسؤول العسكري لقوات الجبهة في الأردن حتى العام 1971 وكان قائدها أثناء معارك المقاومة في سنواتها الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي كما كان قائدها في حرب أيلول 1970 وحرب جرش- عجلون في تموز 1971 وكان ملاحقاً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي فأختفى لعدَة شهور في الضفة الغربية وإثر انتهاء ظاهرة وجود المقاومة المسلحة في أعقاب حرب تموز 1971 غادر الأردن سرَاً إلى لبنان.


أُنتخب أبو علي مصطفى نائباً للأمين العام للجبهة الشعبية في المؤتمر الثالث للجبهة في العام 1972 وشغل هذا المنصب حتى العام 2000.


شارك أبو علي مصطفى اثناء وجوده في لبنان في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 الذي شهدته مدينة بيروت، تعرض في تلك الفترة لعدَة محاولات للاغتيال كان أبرزها في منطقة الكولا في بيروت، حيث كان يسكن شقة في بناية من 12 طابقا، وتم ركن سيارة مفخخة بالمتفجرات أسفل البناية، لكن يقظة جهازه الأمني جعلته يكتشف أمرها.. وقبل ذلك، وأثناء وجوده في منطقة الأغوار بالأردن، تعرضت سيارته لقصف مدفعي كثيف، في محاولة لاغتياله لكنه تمكن حينها من إلقاء نفسه خارج السيارة والاختباء بمزارع الموز المجاورة حتى زوال الخطر.


خرج أبو علي مع عناصر المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى سوريا، ورأس وفد الجبهة الشعبية في حوارها مع حركة التحرير الوطني فتح في عدن والجزائر عام 1984 وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1987.


شغل أبو علي مصطفى عدّة مناصب منها: عضو في المجلس الوطني الفلسطيني منذ العام 1968 وعضو المجلس المركزي الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1987 وحتى 1991.


وبعد عودة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الضفة الغربية وغزة في العام 1995 عاد أبو علي مصطفى إلى مدينة رام الله في الضفة الغربية بتاريخ 30 أيلول 1999 بعد 32 سنة من حياة المنفى، وكان قرار عودته قد اتخذته قيادة الجبهة بهدف اعادة تشكيل وتنشيط العمل التنظيمي للجبهة الشعبية. 


تم انتخاب أبو علي مصطفى أميناً عاماً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المؤتمر الوطني السادس الذي عُقد في دمشق عام 2000 وذلك خلفاً للأمين العام الدكتور جورج حبش الذي أعلن استقالته من هذا المنصب. استطاع أبو علي بعد أشهر قليلة من انتخابه إعادة تجميع أواصر الجبهة في الداخل والخارج مُؤكداً على تمسكها بالثوابت الوطنية الفلسطينية دون أي تنازل أو تراجع رغم انخراطها مجدداً بفاعلية في إطار المشروع السياسي الفلسطيني الهادف إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.


كان لأبو علي مصطفى دور بارز في قيادة الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى" التي اندلعت في 28/9/2000 حيث شكلت الجبهة الشعبية أحد الاذرع العسكرية للانتفاضة بمشاركة القوى الوطنية والإسلامية الأخرى وبقرار حكيم منه شاركت في "القيادة الموحدة للانتفاضة". فأتهمته إسرائيل بالمسؤولية عن عدد من عمليات التفجير في القدس وتل أبيب وبالقرب من مطار اللد خلال سنتي 2000 و2001.


في السابع والعشرين من آب لعام 2001 استهدفت طائرات الأباتشي الإسرائيلية مكتب القائد أبو علي مصطفى في مدينة رام الله وعلى إثر القصف الجوي الإسرائيلي استشهد أبو علي مصطفى وهو أول زعيم سياسي وأول أمين عام فلسطيني يتم اغتياله في الأراضي الفلسطينية.


اُعتبرت عملية اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية جريمة سياسية من الدرجة الأولى تجاوز فيها الكيان الإسرائيلي كل الخطوط الحمر إمعاناً منه في سياسة الاغتيال بعد عجز جيشه الذي "لا يُقهر" عن وقف الانتفاضة الفلسطينية التي كانت توشك على إنهاء عامها الأول.


لقد كان لعملية الاغتيال أصداء كبيرة في مختلف مناطق التواجد الفلسطيني وتوعدت الجبهة الشعبية بالثأر والرد وعقب ذلك قامت " وحدة وديع حداد" – "كتائب أبو علي مصطفى" التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في السابع عشر من تشرين الأول لعام 2001 باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في قلب مدينة القدس رغم الاجراءات الأمنية المشددة هناك، رداً على اغتيال القائد أبو علي مصطفى.


كان أبو علي مصطفى قائداً استثنائياً تجلت فيه كل صفات القائد الثوري الذي لم يعرف طريقاً للحياة والعزة والكرامة إلا عن طريق النضال الوطني، عُرف بزهده وبساطته، لم يكن يعرف معنى للمجاملة والنفاق وكان ذو شخصية وحدوية جامعة ولوضوحه وشفافيته التف حوله الكثير من أقطاب النضال الفلسطيني على اختلاف مشاربهم الأيديولوجية.


اعتبر أبو علي مصطفى أن ساحة المواجهة المركزية مع الاحتلال هي الداخل المحتل، وعليه الوجود فيها، وعلى أرض الوطن قال مقولته الشهيرة التي استفزت كيان الاحتلال "عدنا لنقاوم لا لنساوم" حيث أردف ذلك بعمل متواصل لبناء تنظيمه وإعداده ميدانياً لأي مواجهة قادمة مع الاحتلال، الأمر الذي أدى إلى استشهاده في عملية اغتيال جبانة استهدفت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي أول قائد فلسطيني بهذا المستوى في الضفة الغربية.