ولد حيدر عبد الشافي في مدينة غزة في العاشر من حزيران/ يونيو عام 1919 وتلقى دراسته الابتدائية في الخليل بسبب انتقال والده الشيخ محيي الدين عبد الشافي إليها للعمل كمأمور أوقاف هناك.
عاد حيدر عبد الشافي إلى مدينة غزة ليكمل دراسته الثانوية وبسبب تفوقه الدراسي أُنتخب ليلتحق بالكلية العربية في القدس عام 1935، وعقب أحداث الثورة الفلسطينية عام 1936 انتقل عبد الشافي إلى بيروت حيث التحق بالجامعة الأميركية لدراسة الطب والجراحة.
بذل عبد الشافي نشاطاً سياسياً واجتماعياً في الأوساط الطلابية الناشطة في الجامعة وتعرف على حركة القوميين العرب هناك والتحق بها لبعض الوقت حيث انتخب عضواً في جمعية العروة الوثقى عام 1937.
تخرج حيدر عبد الشافي من الجامعة الأميركية طبيباً عام 1943 وعاد ليعمل في مدينة يافا حيث التحق بمستشفى البلدية التابعة لسلطة الإنتداب البريطاني، ثم عمل طبيباً في الكتيبة الثانية بفيلق المدرعات في الجيش العربي الأردني في عام 1944 وأمضى سنوات الحرب العالمية الثانية في عدة أماكن في فلسطين وشرق الأردن.
ترك عبد الشافي الجيش مع انتهاء الحرب وعاد إلى مسقط رأسه مدينة غزة ليفتح عيادة خاصة به هناك، وشارك في تأسيس الجمعية الطبية الفلسطينية عام 1945 التي كان مقرها الرئيسي في القدس.
غادر عبد الشافي مدينة غزة في عام 1949 إلى الولايات المتحدة ليتخصص في الجراحة العامة بمدينة دايتون في ولاية اوهايو، وفي أواخر عام 1954 عاد إلى قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية ليمارس عمله كطبيب جراح في مستشفى تل الزهور التابع للإدارة المصرية التي قامت بتعيينه عضواً في المجلس البلدي لغزة لكن عبد الشافي رفض ذلك.
برز اسم الدكتور حيدر عبد الشافي في هذه الفترة كمدافع عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال ضد مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، واسهامه الملموس في تأسيس الجبهة الوطنية خلال احتلال قطاع غزة عام 1956، كأحد الأطر الوطنية الرافضة للاحتلال الإسرائيلي.
في عام 1962 أصدر الرئيس المصري جمال عبد الناصر أول دستور فلسطيني مستقل يكفل لأهل قطاع غزة المشاركة الفعلية في الحكم من خلال مجلس تشريعي يتم انتخابه فرشح الدكتور حيدر عبد الشافي نفسه للانتخابات التشريعية التي عقدت في 26/5/1960 ونجح فيها واختير رئيساً للمجلس التشريعي في دورته الأولى وأعيد انتخابه رئيساً للمجلس في دورته الثانية.
في أيار/ مايو عام 1964 شارك الدكتور حيدر عبد الشافي في أعمال المجلس الوطني الفلسطيني التأسيسي الأول الذي عقد في مدينة القدس والذي أعلن فيه قيام منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري ليختاره الشقيري عضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة عام 1964 وشغل هذا الموقع لمدة عام.
بعد احتلال إسرائيل لقطاع غزة للمرة الثانية عام 1967 عمل كطبيب متطوع في مستشفى الشفاء، ثم بادر مع عدد من الشخصيات الفلسطينية في القطاع إلى تأسيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لقطاع غزة وجعلها عنواناً للعون الطبي والنشاطات الاجتماعية والثقافية، وبسبب نشاطاته السياسية وتصديه للمشاريع الإسرائيلية قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتقاله وبعد إطلاق سراحه واصل عبد الشافي نشاطه السياسي والطبي المقاوم للاحتلال فقام وزير الحرب الإسرائيلي موشيه ديان بنفيه إلى منطقة نخل في سيناء لمدة ثلاثة أشهر وفي 12/9/1970 قامت السلطات الإسرائيلية بنفيه إلى لبنان مع خمسة من القادة الوطنيين.
شارك عبد الشافي في عام 1973 بتأسيس الجبهة الوطنية الفلسطينية بصفتها ذراعاً لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأرض المحتلة وفي عام 1978 شارك بتأسيس لجنة التوجيه الوطني التي ضمت عدداً من رؤساء البلديات والشخصيات الوطنية رداً على سياسة الليكود الإسرائيلي واتفاقية كامب ديفيد التي أغفلت القضية الفلسطينية ومع اندلاع الانتفاضة الشعبية في كانون الأول/ ديسمبر 1987 ساهم عبد الشافي في تشجيع القوى الوطنية لتأسيس القيادة الموحدة للانتفاضة وكان أحد أعضائها.
مع انطلاق عملية السلام شارك حيدر عبد الشافي برئاسة الجانب الفلسطيني من الوفد الأردني الفلسطيني المشترك لمؤتمر مدريد للسلام في 1991/10/30 وبعدها أسندت إليه مهمة رئاسة الوفد الفلسطيني المفاوض في مباحثات واشنطن التي امتدت 22 شهراً خلال عامي 1992- 1993 والتي ظهر فيها عبد الشافي كمفاوض شرس ومتمكن وندَاً قوياً للمفاوض الإسرائيلي إلى أن استقال من قيادة الوفد في ابريل 1993 احتجاجاً على رفض إسرائيل الإلتزام بوقف الاستيطان وبعد جهود لإقناعه للعودة لطاولة المفاوضات قدم عبد الشافي استقالته نهائياً من رئاسة الوفد بعد شهر واحد لوجود قنوات تفاوضية سرية مع الاحتلال.
بعد إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على أرض الوطن شارك الدكتور حيدر عبد الشافي في الانتخابات التشريعية العامة التي أجريت في 1996/1/20 وفاز فيها وحصل على أعلى الأصوات عن دائرة مدينة غزة إذ حصل على 58.229 وأصبح رئيساً للجنة السياسية في المجلس التشريعي ولكنه استقال وترك مقعده البرلماني في 30 /3/ 1998.
اشتهر الدكتور حيدر عبد الشافي بلقب طبيب الفقراء لأنه لم يكن يتلقى أجراً منهم وبالإضافة إلى عمله الطبي والإنساني شارك عبد الشافي في أكثر من ثلاثين جمعية ومؤسسة أهلية في الداخل والخارج، سواء بالتأسيس أو المساندة أو المشاركة ومنها جمعية الهلال الأحمر لقطاع غزة، وجمعية تأهيل المعوقين، ومجلس التعليم العالي في القدس، وجمعية الملتقى الفكري العربي، ومركز الديمقراطية وحقوق العاملين، كما تولى رئاسة العديد من الجمعيات كجمعية المقاصد الخيرية في القدس، ومؤسسة فلسطين الدولية في الأردن، وجمعية النداء الفلسطيني الموحد في أميركا، إضافة لكونه عضواً في مجلس أمناء جامعة بيرزيت كما شارك في تأسيس حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية واختير اميناً عاماً لها.
في كانون الثاني يناير 2004 عينه الرئيس ياسر عرفات رئيساً للجنة رعاية مقابر محافظات قطاع غزة ومنحه الرئيس محمود عباس في 2007/4/8 وسام نجمة الشرف الفلسطيني تقديراً لدوره الكبير وعطائه المميز في خدمة الشعب الفلسطيني كما وعينه في آب/ أغسطس 2006 عضواً في اللجنة المكلفة بإدارة بلدية غزة
توفي الدكتور حيدر عبد الشافي في 2007/9/24 تاركاً وراءه زوجته السيدة هدى الخالدي وأربع أبناء وسبعة أحفاد وتم تشييع جثمانه في موكب جماهيري مهيب على المستوى الشعبي والرسمي حيث جسدت جنازته أرقى مظاهر الوحدة الوطنية ليوارى الثرى في مقبرة الشهداء الإسلامية في مدينة غزة.
وتقديراً لدوره النضالي الكبير قرر الرئيس محمود عباس بمرسوم رئاسي تسمية كلية طب الأسنان في جامعة الازهر بغزة باسمه عام 2007 كما قرر مجلس الوزراء الفلسطيني عام 2012 منح جائزة سنوية للعمل التطوعي تحمل اسمه وفي إطار حملة التقدير له دشنت بلدية رام الله ميدان الدكتور حيدر عبد الشافي عام 2014 كما قررت الجمعية العمومية في جمعية الهلال الأحمر عام 2005 اعتبار الدكتور حيدر عبد الشافي رئيساً فخرياً لها مدى الحياة كما تم إنشاء مركز حيدر عبد الشافي بمبادرة من عدد من النشطاء المستقلين في المجتمع المدني.
اشتهر الدكتور حيدر عبد الشافي بنزاهته واستقامته وجرأته في التعبير عن مواقفه وإبداء رأيه وقول الحق ولقد كان خير مثال للمعارضة الخلاقة وأدب الاختلاف، اعتبر الدكتور حيدر عبد الشافي رمزاً من رموز الحركة الوطنية الفلسطينية الذي قاد في شجاعة وصبر كفاح شعبه لانتزاع الحرية والاستقلال.