حديث ياسر عرفات لصحيفة (الأنوار) اللبنانية [1968/8/2]

2015-12-07
 
 

س- على هذا الأساس لا بد أن يكون هناك تنسيق بينهم وتكامل لقواهم إذا لم يكن من الممكن توحيد قياداتهم ؟

ج- هناك تنسيق قائم بالفعل بين قوات العاصفة وقوات التحرير الشعبية هناك عمليات مشتركة بينهما داخل إسرائيل ومعظم الضربات التي وجهت إلى العدو خلال الفترة الأخيرة وكان لها أثرها البالغ ورد الفعل العنيف تمت بوحدات متكاملة من العاصفة والتحرير ولكن هناك نقطة هامة في هذه المسألة بالذات حتى يكون كل شيء واضحا وظاهرا للعيون .

هذه الأرض راحت بأرخص الأثمان ولكننا لن نستطيع استردادها إلا بأغلى الأثمان وبأعظم التضحيات وكلما ازداد رصيد الدماء زاد ارتباطنا بالقسم الذي نأخذه على أنفسنا ولذلك يجب أن يكون التنسيق والتكامل قائمين على هذا الأساس ونابعين من العمل الحقيقي على ارض المعركة.

س- هل هذا هو الطريق إلى وحدة العمل الفدائي الفلسطيني في آخر الأمر ؟

ج- لا نريد وحدة المكاتب ولا وحدة المناورات السياسية ولكننا نريدها وحدة حقيقية تستمد نبضها من ميدان النضال نريد الأضواء فقط على الشهداء الذين يصنعون الأسطورة ويعزفون الملحمة من فوهات مدافعهم وبرصاص بنادقهم الاستشهاد في رأيي يمثل ذروة البطولة واكتمال الأسطورة لا يكون إلا باستنفاذ كل الطاقات حتى الموت وقد تكون الحياة في بعض الأحيان وفي مواجهة بعض الظروف نوعا من التقصير وقد يكون بداية الموت نهاية بحكم المألوف والطبيعة ولكنه بداية عند الشعوب المناضلة.

وقد أحببت الاستشهاد حين سقطت يافا ووضعت حياتي وديعة عنده حين سقطت غزة وسعيت إليه وطلبته مع رفاقي عندما سقطت القدس وعلى حد تعبير الرئيس عبد الناصر ليست القاهرة أغلى من القدس وما من مدينة عربية عندي أفضل من صفد أو عكا أو رام الله لأنها ارضي وموطني وكياني وسوف استرجعها واستعيد بيوتها وترابها وإذا لم استطع ذلك فسوف يستطيعه أبنائي وأحفادي .

وأجيال وراء أجيال سوف تمر على الطريق حتى تصل إلى الغاية وتحقق الهدف وتدفع الثمن أيضا.

س- لكن هناك وجهة نظر ترى أن طبيعة فلسطين تختلف عن طبيعة فيتنام وعن طبيعة الجزائر؟

ج- إنها وجهة نظر سليمة من الناحية الإستراتيجية والذين يبدونها على حق ولكن هل إسرائيل مثل أمريكيا ؟ وهل في إمكانها احتمال المقاومة طويلا ؟ وهل عندها القدرات والإمكانيات المتوافرة في أمريكيا مثلا؟ ومع ذلك فإن أمريكيا غارقة حتى أذنيها في فيتنام والحصيلة الأخيرة لكل ذلك أن كل نضال له ظروفه وله طبيعته وله رجاله والثورات لا تقلد بعضها ولكن روحها واحدة ولها أن تستفيد من التجارب الأخرى وتربط ما بين أساليبها.

س- وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن العمل الفدائي محدود الأبعاد وينتهي بتحقيق مهمته ؟

ج- من قال أن عملنا يقتصر على الفداء وحده انه جزء من مهمتنا الشاملة ولا بد أن يكون مفهوما أن فتح حركة ثورية قبل أن تكون منظمة فدائية ولكن التركيز على العمل الفدائي في الظروف الراهنة يعود إلى اعتقادنا بأن القتال والمقاومة يدفعان إلى الثورة الشعبية الشاملة ولا بد أن يكون مفهوما أيضا أن فلسطين راحت بالحديد والنار ولن تعود إلا بالحديد والنار وليس الحديد فلسفة وليس للنار نظريات لسنا حفنة من الفدائيين كما يتصور الأعداء ولكننا طلائع شعب ثائر على الخيام وعلى البطاقة وعلى الضياع خلال عشرين سنة.

س- أليس الشعب الفلسطيني مسؤولا إلى حد ما عن ذلك وعن الركود الذي أصاب قضيته طوال هذا المدى؟

ج- أبدا أبدا إن الشعب الفلسطيني لم بهمل قضيته على الإطلاق وإذا كانت المقاومة المسلحة قد برزت أثناء السنوات الثلاث السابقة لأحداث الخامس من حزيران يونيو ثم اتخذت مبادرتها الايجابية للعمل بعد النكسة فليس معنى ذلك إنها لم تكن موجودة من قبل أو إنها توقفت عن الحركة بل على العكس كانت المقاومة مستمرة بين العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل ولكن بشكل منظم .

ثم يجب أن يوضع في الحساب قسوة التشتيت وضراوة النكبة ولم يكن جمع الشمل المعنوي للآلاف المتناثرة هنا وهناك بالأمر البسيط أو السهل وعلى كل حال فقد أثبتت النكسة صحوة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وبرز في مواجهة جيل الصبر والصمود الذي يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي جيل آخر جيل الفداء والتضحية .

س- أليست خسائر المقاومة ملحوظة بالنسبة إلى المدى الطويل المطلوب للنضال ثم إلى أي حد يمكن تعويضها ؟

ج- أقولها بصراحة أننا لا نخجل حتى الآن من ذكر رقم شهدائنا ونعتبر أننا لم نقدم شيئا للقضية إننا نتوقع المزيد من التضحيات والشهداء وبدون ذلك لا يمكن أن تتحر الأرض وإذا كانت ظروف النضال تحتم إقليمية القضية في مرحلة معينة فإننا لسنا وحدنا في الميدان ولكننا امتداد لمائة مليون عربي ونعتبر أنفسنا طلائع النضال العربي من اجل التحرير ومهما كانت أرقام الخسائر المحتملة والمتوقعة فإنها لا تكون شيئا بجانب الهدف الكبير وخذوا نموذجا فقد وضعنا في موجة استئناف العمل الفدائي بعد 5 حزيران يونيو خيرة العناصر القيادية من المقاتلين ولكن التنظيم السليم للحركة افرز بعدها الكوادر الجديدة والصالحة لاستمرار النضال ولاتساع المقاومة الفلسطينية .

س- لقد سمعت مضمون البلاغ رقم 113 يتردد بين صفوف المقاتلين في العاصفة وعلى ألسنتهم فهل هناك مفهوم معين له بالذات؟

ج- هذا البلاغ بالتحديد يكاد يكون نقطة تحول بارزة في العمل الفدائي الفلسطيني بلاغ استشهاد الفدائي اللبناني خليل الجمل لأنه كان يعني المشاركة العربية في مسؤولية النضال وفتح الباب أمام الشباب العربي للعمل الفدائي وان كانت الظروف القائمة تستلزم اقتصار هذا العمل الآن على الفلسطينيين فقط حتى لا تتخذ منه إسرائيل ذريعة للعدوان على الدول العربية المحيطة بها وتنفذ مخططاتها التوسعية تحت قناع ضرب قواعد المقاومة الفلسطينية.

ومن هنا يهمني أن أشير إلى نقطة هامة أخرى فان معظم العمليات الجريئة التي تتم داخل الأرض المحتلة يقوم بها رجال المقاومة الداخلية فعملية نسف معمل دودج للسيارات مثلا نفذها فلسطينيون لم يتركوا ارض فلسطين لحظة واحدة وبعد عملية ضرب مؤخرة العرض العسكري في 2 أيار مايو عوقبت رام الله لان الفدائيين الذين قاموا بها كانوا من هناك وهذا هو الهدف المتصاعد الذي ينبغي الوصول إليه حتى تنتقل جميع قواعد المقاومة إلى الداخل وتتحول شيئا فشيئا إلى ثورة شعبية مسلحة وقد طرح البعض أمامي وجهة نظر ترى أننا حينما ننسف مصنعا إسرائيليا فإنهم ينسفون في مقابله قرية عربية بكاملها ويضطر أهلها إلى النزوح والخروج من أرضهم وبالتالي يقع ذلك تحت قائمة الخسائر وكان جوابي المحدد انه في ثورات الشعوب ميزان للخسائر والأرباح ولكن المهم يتمثل في البقاء والكيان واستعادة الحقوق وأمام ذلك تهون جميع الأثمان وإذا كنا نقدم الأرواح وندفع بالدم فما ارخص أن نضحي بالمال والممتلكات في أحيان أخرى .

س- كيف تبدو صورة العمل القادمة أمام رجال المقاومة وما هي ملامح المستقبل؟

ج- الفدائيون أي إنهم هم الذين يقررون ذلك انطلاقا من مسيرة الكرامة في مستقبل الدولة لان المناضلين في رأيي المصدر الحقيقي لقوة الوطن وكيانه الثوري والتركيز على الأشخاص لا يفيد في مرحلة النضال حتى لا تفقد الثورة فعاليتها وتجددها وصوتها الحقيقي أما من ناحية العمل الفدائي فلا بد من تصاعد المقاومة المسلحة في الأرض المحتلة حتى لا تستقر إسرائيل ولا يهدأ كيانها ولا يطمئن سكانها والمقاومة عمل مشروع مارسته جميع الشعوب من قبل ضد الاحتلال النازي والفاشي .

س- ما هو موقف الحركة من المشروعات المطروحة للقضية ؟

ج- الرفض بالطبع لكل مشروعات الاستسلام لأننا لم نخسر الحرب ولكننا خسرنا مجرد معركة من معاركها في 5 حزيران يونيو ولو عدنا إلى تاريخ نضالنا في هذه البقعة بالذات ما هي الرؤية ؟ لقد ظل أجدادنا يقاتلون الصليبيين مائة سنة وبعدهم وقف آباؤنا يكافحون الاستعمار العثماني ثم الانجليز والفرنسي سنوات وسنوات وعلينا أن نحمل علم النضال منهم ونسلمه نظيفا ومرفوعا لأجيال قادمة من بعدنا ولكننا لن نرتكب هذه الجريمة في حقهم جريمة وجود دولة عنصرية في قلب العرب .

هل هذا العار ما نسلمه لأولادنا؟ أبدا لن يكون .

 

(الأنوار، بيروت، 2/8/1968)