حديث صحافي لياسر عرفات لمجلة (آخر ساعة) المصرية [1993/1/13]

2015-12-07

حديث صحافي لياسر عرفات لمجلة آخر ساعة المصرية  13/1/1993


عرفات يتحدث في عز الأزمة

أدعو رابين: لنصنع السلام

طلبت من لبنان عدم دخول المبعدين

نتيجة المفاوضات صفر والانتفاضة مستمرة

لماذا موقف إيران والاختراق ضد المنظمة؟

أنا مع دعوة الشيخ زايد للتسامح   

ما زلنا في النفق المظلم

يكتبه: محمد وجدي قنديل


ما أبعد الفاصل بين اللقاءين:

كان اللقاء الأول لي مع ياسر عرفات في "الأغوار" - على حدود الأردن - والتقيت مع أبو عمار تحت شجرة زيتون على ضفة النهر الفاصلة بين الجانبين، وذلك بعد يونيو 67 وفي أعقاب معركة "الكرامة" التي خاضتها فصائل "فتح" في مواجهة الهجوم الإسرائيلي بالمدرعات لتصفية قواعد المقاومة الفلسطينية.
 

وأما اللقاء الأخير فقد تم في قصر الأندلس في مصر الجديدة - بيت الضيافة- بعد 26 عاماً تفصل ما بين اللقاءين وجرت خلالها مياه كثيرة في نهر الأردن ونهر النيل... وجرت أحداث تاريخية من حرب أكتوبر إلى مبادرة السلام إلى اتفاقية كامب ديفيد إلى الحرب العراقية الإيرانية وإلى حرب الخليج.. وإلى مفاوضات السلام بين إسرائيل والأطراف العربية- ومنها الطرف الفلسطيني- وما زال العرض مستمراً وما زالت القضية الفلسطينية تبحث عن حل وما زالت في النفق المظلم...
 

ما أبعد الفاصل بين اللقاءين..

ولكن الرجل - أبو عمار- لم يتغير ولم يهتز إيمانه بعدالة القضية وحقوق الشعب الفلسطيني، ولم يهتز يقينه بحتمية عودة القدس والضفة الغربية وغزة لأصحاب الأرض.. وإذا كان يرفع غصن الزيتون ويبحث عن السلام، فلأنه يدرك مثل الأطراف العربية الأخرى والإسرائيلية انه المخرج من المأزق والخيار المتاح لحل القضية بدلاً من إراقة الدماء والحروب "وبلقنة" المنطقة.

ولذا يركز عرفات على هذه المنطقة بالذات ويحذر من مخاطر فشل عملية السلام، فهو يرى ببصيرة نافذة عواقب قضية المبعدين والموقف الإسرائيلي في المفاوضات.. ويرى أن الشعب الإسرائيلي يريد السلام، ولذلك جاءت الأصوات بإسحق رابين إلى الحكم بدلاً من اسحق شامير لأنه وعد بتحقيق السلام. 

لقد جاء الرئيس ياسر عرفات إلى القاهرة مرتين خلال أسبوعين واستقبله الرئيس حسني مبارك ثلاث مرات للبحث في قضية المبعدين وفي مفاوضات السلام.. وإذا كان وضعه الرسمي هو رئيس دولة فلسطين فإن وضعه الثوري ما زال رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ولذلك فإنه يواجه تيارات عنيفة داخل الضفة وغزة وفي داخل المنظمة، ويرفض قطع المفاوضات حرصاً على السلام. 

وبينما تتصاعد قضية المبعدين إلى حافة الأزمة وبينما تدخل المفاوضات في منحنى الخطر، فإن شمعون بيريس يعترف بخطأ قرار رابين - رئيس الوزراء الإسرائيلي- ويقول: "إن عملية الإبعاد أساءت إلينا.. وأعتقد أن مهمتنا الأساسية يجب أن تركز على ضمان أن عملية الإبعاد لن تؤذي فرص السلام"، والتساؤل المطروح: هل تستمر المفاوضات في طريقها؟ وهل تنتهي مأساة المبعدين؟

ويتحدث ياسر عرفات في عز الأزمة في حوار ممتد على مدى ساعتين - وحضره السفير سعيد كمال سفير فلسطين في القاهرة - ويكشف أوراقاً هامة: ما هو الدور والجهد الذي يبذله الرئيس مبارك لإنهاء قضية المبعدين؟ وما هي تطورات الجولة الأخيرة من المفاوضات؟ ولماذا موقف إيران لاختراق حركة حماس ومنظمات فلسطينية أخرى؟ ولإثارة الخلافات بين حماس والمنظمة؟

* مضى أربعة عشر شهراً على المفاوضات العربية الإسرائيلية- من مدريد إلى واشنطن- وقطعت الأطراف العربية - ومنها الطرف الفلسطيني- شوطاً طويلاً في جولات المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، ما هو تقييم الرئيس ياسر عرفات لمحصلة هذه الشهور من التفاوض.. وإلى أين وصلنا؟ وهل هناك استجابة من جانب إسرائيل - بعد تولي اسحق رابين - للتوصل إلى نتيجة ايجابية ولتحقيق التسوية السلمية؟

وقال الرئيس عرفات: إذا تكلمت فإنني أتكلم عن المسار الفلسطيني في المفاوضات فإنه ما يخصني.

ودعنا نتكلم بصراحة وأستطيع أن أقول: انه بعد أربعة عشر شهراً وعهدين في إسرائيل - عهد شامير وعهد رابين.. عهد الليكود وعهد العمل - فإن المحصلة صفر.. نعم صفر.. حيث لم يقدم الطرف الإسرائيلي أي شيء ايجابي يستند على مبادرة الرئيس بوش التي تقول: الأرض مقابل السلام، وتنفيذ القرارين 242  و 338 بما يعني الانسحاب من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة وبما فيها  القدس والحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني والأمن للجميع في المنطقة. 

ولا زال الجانب الإسرائيلي يتهرب من هذه المبادئ - وهي أساس عملية التفاوض - ولم يقدم الطرف الإسرائيلي في المفاوضات - على المسار الفلسطيني- إلا إدارة ذاتية وإدارة محلية عبارة عن بلديات موسعة تشرف على السكان وليس الأرض، إذاً حتى الآن لم يقر الجانب الإسرائيلي أنها "ارض محتلة". بل أكثر من ذلك لا بد أن نتذكر ما قاله اسحق رابين: إن الفلسطينيين مثل الأكراد والباسك - أي أقليات - وإذن لا زالت هذه العقلية التي تسيطر على التفكير الإسرائيلي والتي كشف عنها روبنشتاين - الذي أبقاه رابين رئيساً للوفد الإسرائيلي المفاوض بالرغم من أنه اختيار شامير - عندما قدم لنا في نهاية الجولة الثامنة مشروعاً مكتوباً عليه "يهودا والسامرة" بدلاً من الضفة الغربية وغزة.

* وماذا يقصد بذلك؟ قد يكون نوعاً من أسلوب التفاوض؟

قال عرفات: لا بد أن أقول لك ماذا كان جوابه عندما احتج الدكتور حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني والقى له بمشروعه الإسرائيلي.. قال روبنشاين: إننا نقدمه لكي نعاقبكم لأنكم تقولون الضفة الغربية وغزة والقدس... هذه ارض إسرائيل.. معنى ذلك إنهم لا يقدمون شيئاً على الجانب الفلسطيني.. وهدف رابين هو نفس هدف شامير: التهرب وعدم الوصول إلى اتفاق، يمكن أن يصل رابين إلى اتفاق تحت شروطهم وبحيث لا توجد فيه القدس - لا سكانا ولا أرضاً- ولا حديث عن المستعمرات الإسرائيلية و "الأراضي الميرى" مقسمة، والحديث يكون عن شؤون البلديات فحسب... يعني الخدمات للأهالي في الضفة وغزة، ويعني أن الأمن ليس للفلسطينيين وليسوا مسؤولين عنه، ومعنى ذلك انه جسم إداري لا أكثر ولا اقل.. ومثل هذا الطرح الإسرائيلي يتنافى ويتعارض مع مبادرة الرئيس بوش، ويتعارض مع خطاب الضمانات الذي قدمه راعيا المؤتمر - الولايات المتحدة وروسيا - وكذا خطاب الدعوة الموجه لنا من راعيي المؤتمر.. بالإضافة إلى أن المفاوضات يجب ألا تزيد عن سنة (12 شهراً) ونحن الآن في الشهر الخامس عشر وبلا نتيجة.

 دور الرئيس مبارك لإنهاء قضية المبعدين

لا يمكن الاستمرار في مفاوضات ميتة مع إسرائيل

* لماذا تشبيهك للمشروع الإسرائيلي بأنه مثل قطعة الجبن السويسري؟

قال عرفات: نعم.. المشروع الإسرائيلي مثل الجبن السويسري أي به فراغات أو ثقوب.. فالمشروع يقوم على وجود السكان الفلسطينيين في مدن وقرى - في كانتونات منفصلة عن بعضها البعض- لأن الأراضي الأميركية وهي أراضي الدولة لا علاقة لنا بها، ولها ألوان: أحمر وأخضر ورمادي- الأحمر ممنوع الاقتراب والرمادي مشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والأخضر يكون زمام المدن وأما المستعمرات فإنها تبقى على حالها والاتصالات والطرق بينها مفتوحة كما هي، بينما السكان الفلسطينيون منعزلون في قراهم ومدنهم ولا رابط بينهم أي كانتونات متفرقة، وبدون انتخابات تشريعية، فالمشروع يتكلم عن انتخابات عامة للجسم الإداري، هذا هو ما يقدمه رابين، والسؤال: هل يرد من الجانب الفلسطيني أن يعطي شرعية للاحتلال الإسرائيلي، لست مستعداً لأقدم هذه الشرعية ثم الأخطر من ذلك لا حديث عن القدس وتغييب لها في المفاوضات، وأسأل: من يستطيع أو يملك الحق في استبعاد القدس من أي مشروع سلام؟ إذاً هذه الأحلام الإسرائيلية لن تحدث السلام ولن تحل القضية، ولا بد أن يكون مفهوماً انه ما لم يحدث السلام العادل والحقيقي فإن الفوضى ستسود المنطقة، وستحدث بلقنة جديدة مثل ما يحدث في يوغوسلافيا، ولا بد أن تفهم أميركا هذا المصير الخطير الذي يتهدد المنطقة.

* هل تعتقد أن الموقف الأميركي يمكن أن يتطور في المفاوضات بحيث يكون أكثر فاعلية بعد مجيء إدارة كلينتون خصوصاً وأن وزير الخارجية "وارين كريستوفر" كان من فريق إدارة كارتر وله خبرة سابقة بشؤون الشرق الأوسط وشارك في عملية السلام بين مصر وإسرائيل؟

قال عرفات: ولا تنس أن وزير الدفاع "لي اسبن" مؤيد لإسرائيل.. من أنصار إسرائيل!

على أية حال، صدقني، إنني أرجو مخلصاً لصالح أميركا قبل أن يكون لصالح العرب والفلسطينيين ألا يلتزم الرئيس كلينتون بما أعلنه بالنسبة لإسرائيل أثناء الحملة الانتخابية من تصريحات خاصة فيما يخص القدس، لأن التزامه بهذه الوعود الانتخابية - بعد أن يتولى الرئاسة- سيكون تميزاً لإسرائيل، وعلينا أن ننتظر ونرى حتى لا نحكم على الأمور بالظواهر، وحتى لا نتجنى على الإدارة الأميركية الجديدة.

*   *   *   *

* الملاحظ انك لم ترحب بمجيء رابين إلى الحكم - بعد شامير- وبالعكس فإنك هاجمته بالنسبة لسوابقه تجاه الفلسطينيين.. هل تعتقد أنه جاء بنوايا الحل السياسي - أو التسوية السلمية - أم انه يراوغ من الاتفاق ويتبنى سياسة القبضة الحديدية والأبعاد للفلسطينيين - كما كان وزيراً للدفاع- وأنه يتهرب من وعود السلام التي جاءت به إلى الحكم؟

قال عرفات: لا بد أن نضع في الحساب انه ما زال وزيراً للدفاع إلى جانب رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وبالإضافة إلى "القبضة الحديدية" فإن رابين المسؤول عن "كتائب المستعربين" التي ترتكب جرائم وحشية بلباس عربي حتى يلتصق الاتهام بالفلسطينيين، ويعتبرها احد انجازاته الأمنية، وكذلك الوحدات الخاصة التي تقوم بعمليات التصفية ضد الفلسطينيين وخصوصاً الانتفاضة وقد التقى بهم مؤخراً دليلاً على اعتزازه بهم. 

وفي رأيي أن رابين ليس رجل سياسة وما زال يفكر بعقلية الجنرالات - في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية- رغم انه صار رئيساً للوزراء وهناك جنرالات مسيسون ولكن رابين ليس منهم..

* وما رأيك في الأصوات الموجودة في حزب العمل والتي تنادي بضرورة فتح الحوار مع المنظمة؟ قال عرفات: لا شك أن "الليبراليين" هم الذين جاءوا بالجنرال رابين إلى الحكم، سواء أكانوا من حزب العمل أو من الميريت بالإضافة إلى الأصوات الخمسة العربية في الكنيست.. وقد تعامل مع الليبراليين ولكن عينه على اليمين المتشدد، وذلك ما يعكسه القرار الذي اتخذه بإبعاد الـ 413 فلسطينياً من الضفة وغزة، ويعتبر من جرائم الحرب أي "الترانسفير" أو الطرد لإرضاء اليمين.. ولذلك فإنه يحاور سوميت والميفدال لكي يدخلوا معه الحكومة ويوازن مع الليبراليين..

* على أي أساس بنيت الصورة التي لديك عن رابين؟

قال عرفات: لا أنسى أثناء حصار بيروت عندما جاء مع شارون ونزل معه من الهليكوبتر مستعرضاً - وهو لم يكن في الوزارة- ليشارك في ضرب الفلسطينيين واللبنانيين وإحكام الحصار عليهم والجرائم التي ارتكبت ضدهم.. بينما الجنرال جور - نائب وزير الدفاع وقتها- كان يرتب لكي يقابلني وبعث لي برسالة ورحبت به، ولكن شارون قطع الطريق على محاولة جور للتفاهم وأطلق مقولته الشهيرة لإحراجه: لا حج إلى عرفات!

ولذا لا يجب أن يغيب عن بالنا أن هذه هي عقلية رابين وعقيدته.. وعندما كان وزيراً للدفاع وحدثت الانتفاضة - وكان موجوداً في واشنطن - وسألوه عنها فكان جوابه: أعطوني يومين لكي انهيها!.. وقلت له: أمامك يومان وشهران وسنتان.. ونحن معك والزمن طويل..! ولكن الانتفاضة استمرت خمس سنوات ودخلت عامها السادس ولم يستطع رابين القضاء عليها.. وكما قال إيهود باراك رئيس الأركان: لا تنخدعوا عندما تخفت الانتفاضة.. لأنه حينما تقل الحجارة يكثر الرصاص!

*   *   *   *

* رغم العداء ورغم الصورة القائمة منذ حصار بيروت.. إلى أي مدى يمكن أن تصل مع رابين؟ وألا يمكن أن تقوم بمبادرة من اجل السلام؟ 

قال عرفات: ألم اطلب اللقاء معه.. الم أقل أنني على استعداد لمقابلته في الأمم المتحدة.. لأنني مؤمن بأن السلام يصنع مع الأعداء.. فماذا كان جواب رابين؟ أن العقبة الوحيدة في طريق السلام هو عرفات - هكذا قال - وأنه يصدر تعليمات للوفد الفلسطيني المفاوض وهي التي تعطل المفاوضات..! أليس ذلك منطقاً متناقضاً؟ أليس هو الذي يعطي التعليمات للوفد الإسرائيلي؟ ومع ذلك أقول له: تعال نجتمع في الأمم المتحدة ونحقق السلام.. أنا عقبة وأنت عقبة.. ودعنا نزيل العقبات ونصنع السلام!

من هنا فإنني أوجه حديثي للشعب الإسرائيلي فهو لم يصوت لرابين وإنما أعطى صوته للسلام.. وضد سياسة شامير وضد سياسة التوسع و "إسرائيل الكبرى" وضد سياسة المراوغة والضم والاستيطان، وكان تصويت الإسرائيليين لصالح برنامج حزب العمل لأنه كان يرفع شعار السلام مع العرب ومع الفلسطينيين.

حسناً، الآن مضى ستة شهور ورابين في الحكم ولكنه لم يقدم شيئاً للسلام، وفي اعتقادي أن هدف رابين هو نفس هدف شامير: محاولة تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية ولذلك قال: إن الفلسطينيين مثل الأكراد والباسك.

لذا أطالب الشعب الإسرائيلي أن يحسم الأمر لأنه الذي جاء برابين إلى الحكم ليصنع السلام، وللأسف لا أجد ديجول أو ديكليرك في صفوف زعماء إسرائيل، ولذا أرسلنا مذكرة لراعيي المؤتمر أن كل يوم بعد 31 أكتوبر الماضي مخصوم من المرحلة الانتقالية.

 *   *   *   *

* قضية المبعدين الفلسطينيين دخلت منعطفاً هاماً بعد إصرار إسرائيل على عدم التراجع عن قرار الإبعاد- أو النفي لمدة سنتين- وبعد إصرار حكومة رابين على موقفها ورفض إنذار الدكتور بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة، من الذي اتخذ قرار أن يبقى المبعدون في مرج الزهور وألا يسمح لهم بدخول الأراضي اللبنانية؟

قال عرفات: الحكومة اللبنانية هي التي اتخذت القرار، ولكن بناء على طلب مني.. لماذا؟

كانت الإشارة الاولى عندما ابلغوني بالاعتقالات للمبعدين في الضفة وغزة وأنهم ينقلونهم بطائرات الهليكوبتر، وتساءلنا: لماذا الهليكوبتر في الليل، إذاً لا بد أن العملية "إبعاد" أو طرد جماعي وليس اعتقالات، وتحركنا بسرعة واتصلت براعيي مؤتمر السلام - خاصة واشنطن- وجمعت القيادة الفلسطينية في اجتماع طارئ وأخذت منهم القرار: أن نطلب من الحكومة اللبنانية ألا تستقبل المبعدين الفلسطينيين وأن تغلق المعابر، ولم يكن في قدرتها إغلاق المعابر ولكنني طلبت منها ذلك، وبعثت برسائل إلى الرئيس الهراوي والرئيس الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري واستجابوا لهذا الطلب لأنه صادف رغبة لبنانية خوفاً من التكرار وأن يكون ذلك بداية عملية "ترانسفير" واسعة للآلاف من الضفة وغزة للقضاء على الانتفاضة وترحيلهم إلى الأراضي اللبنانية.

وعندما منعهم الجيش اللبناني من الدخول عبر المعابر الحدودية اتصلت بهم وعرضت عليهم القرار الذي اتخذته لمواجهة الطرد، وقلت لهم، أنني أعلم أن القرار صعب وقاس؟ فكان جوابهم: على بركة الله، ولا نريد إلا العودة لأرضنا وأهلنا، ولن نعبر إلى الأراضي اللبنانية!

فازدادت ثقتي بسلامة القرار، وتحركنا من مجلس الأمن إلى واشنطن- حيث الوفد المفاوض الذي قابل الرئيس بوش مرتين خلال يومين - وإلى موسكو - بالاتصال مع الرئيس يلتسين- وإلى الصين والدول العربية.

وخاصة مع الرئيس مبارك وقلت له: يا سيادة الرئيس هذه القضية - قضية المبعدين - مسؤوليتك، وحضرت للقاهرة وقابلت الرئيس مبارك واتفقنا على اجتماع دول الطوق الخمس وصدر القرار: ضرورة عودة المبعدين لضمان استمرار المفاوضات، وفي اليوم الأخير في مفاوضات واشنطن طلب الوفد الفلسطيني قطع المفاوضات واتخذت الوفود السورية والأردنية واللبنانية نفس الموقف.

ولا بد لي أن أتوقف أمام دور الرئيس مبارك وما يبذله من جهد لحل قضية المبعدين، ولا أريد أن اكشف ماذا يعمل؟ ولكن حقيقة فإنه يعتبرها قضية "يومية" له ويتابعها بكل اهتمامه، وباسم الشعب الفلسطيني وأسر المبعدين اشكره على ما يفعله وبدون ضجيج.

* ولماذا اتخذت إسرائيل قرار الإبعاد وما المأزق الذي تواجهه؟

قال عرفات: أعتقد أن رابين لم يكن يتوقع أن يكون للقرار ردود الفعل التي حدثت - والقرار الذي اتخذته لمواجهة مخطط الإبعاد - وكان يعتقد انه سيمر مثل قرارات سابقة! 

* في رأيك كيف تنتهي قضية المبعدين: وهل تتراجع إسرائيل عن قرارها خصوصاً وأنه تتردد حلول عن دولة ثالثة تستقبل المبعدين لفترة النفي  ويعودون بعدها؟

قال عرفات: إذا حصل ضغط من الأمم المتحدة وطبق مجلس الامن قراره 799 على إسرائيل - لعودة المبعدين- فإنه لا بد وأن يبحث رابين عن حل للوضع، وأنا أقول أن يعيدهم إلى ديارهم ويحاكمهم - المتهم فيهم يقدم للمحاكمة - ولكن لا يمكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه من جريمة ترانسفير.

اليس هناك آلاف المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية- ويوجد من "فتح" وحدها 24 ألف معتقل؟ إذاً يحاكمون من يوجه الاتهام له ويطلق سراح الباقين، لأن استمرار قرار الإبعاد ينعكس بلا شك على سير المفاوضات ويسمم عملية السلام.

*   *   *   *

* يبدو أن الانتفاضة تؤرق إسرائيل- وبالذات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية - بدليل أن رابين انتهز فرصة قضية المبعدين للمقايضة عليها مع الانتفاضة، ويضع إيقاف الانتفاضة مقابل عودة المبعدين خلال تسعة شهور حسب عرضه الأخير، فما السبب؟ وهل يمكن وقف الانتفاضة؟

قال الرئيس عرفات: إنني أقول لإسحق رابين رئيس الوزراء شيئاً واحداً أن هذه الانتفاضة ستستمر موجة وراء موجة، لأنه لا يمكن أن يستمر الفلسطينيون في الداخل بها على نفس واحد، وأنا اعرف قدر الانهاك الذي يعانيه الجيش الإسرائيلي على مدى خمس سنوات، وخذ مثلاً هناك أربع فرق من إحدى عشرة فرقة إسرائيلية مجهزة في الضفة وغزة ومستنفرة بصفة دائمة، وهم يطلقون على الفرقة "اوجدا" - فرقتان في الضفة الغربية وغزة - وهناك فرقتان احتياطيتان للتبديل معهما بين الحين والآخر، وذلك وضع منهك لأي جيش ولا يمكن أن يبقى مشدوداً على مدى خمس سنوات وإلى ما لا نهاية، فإن ذلك يؤدي إلى خلل استراتيجي في الجيش الإسرائيلي، ولذلك فإن أعلى نسبة خلل نفسي موجودة في صفوفه الآن.

* هناك محاذير من أن تتحول الانتفاضة من الحجارة إلى السلاح بعد حادث مقتل ضابط الشين بيت حاييم نحماني في غزة وحادث مقتل الجندي الإسرائيلي المخطوف، فهل تتخلى الانتفاضة عن الاسلوب السلمي في المقاومة مع زيادة الضغوط والقبضة الحديدية من جانب إسرائيل، ومع أتباع رابين سياسة الابعاد للمثقفين وقيادة الانتفاضة في الداخل؟

قال عرفات: هناك حقيقة قائمة وهي أن السلاح موجود بالفعل في الداخل ولكننا نمنع استخدامه حتى لا يساء إلى الانتفاضة، وما يحدث شيء طبيعي رداً على الجرائم التي ترتكب في الضفة وغزة ضد العرب وبشكل غير مقبول والعنف يولد العنف.

وأعطى مثالاً على شاب من الانتفاضة - من فتح - في قرية عنزة، وعلى مدى تسع ساعات والجيش الإسرائيلي بالدبابات والطائرات الهليكوبتر يقوم بعمليات انتقامية، دمروا البيت الذي يقيم فيه والبيوت من حوله وحينما دخلوا عليه قتل ضابطاً وجرح خمسة جنود وقتلوه، طيب هؤلاء الشباب والفتية الذين شاهدوا هذا الشاب وهو يقاوم ويصمد بهذا الشكل، سيحذون حذوه ويتولد رد الفعل، أيضاً الجرائم التي ترتكبها قوات المستعربين والوحدات الخاصة لتصفية الانتفاضة، تؤدي في نهاية الأمر إلى استخدام السلاح والقتل.

* ملحوظة: عدد ضحايا الانتفاضة - كما يقول عرفات- أكثر من 1700 شهيد و 112 ألف جريح  وثمانية آلاف حالة إجهاض بين النساء لأنهم يستخدمون قنابل كيماوية على أنها غاز مسيل للدموع - بشهادة بعثات أميركية وبلجيكية وهولندية - وقرابة 6500 من المعوقين، وهناك أطفال فقدوا الأبصار وأصيبوا بالشلل من الغازات والطلقات المطاطية، وهناك 127 ألفاً مروا على السجون الإسرائيلية وبينما عدد سكان الضفة وغزة من العرب لا يتجاوز مليونين.

* وما حقيقة الخلاف بين حماس والمنظمة حول أسلوب الانتفاضة وتصعيدها، ويقال أن "حماس" ترفض المفاوضات مع إسرائيل وتطلب العودة إلى الكفاح المسلح وترى أن تتحول الانتفاضة والمواجهة مع إسرائيل إلى السلاح، قال عرفات: لا.. ليس هذا صحيحاً - بالنسبة للانتفاضة- لا.. لا.. ربما يكون لجوء حماس إلى السلاح مؤخراً في مواجهة تصاعد القمع الإسرائيلي، ولكن الواقع أن حماس حركة علنية مثل الحزب الشيوعي في الداخل وكلاهما لا يؤمنان بالكفاح المسلح، ولكن الذي حدث مؤخراً أن حماس قامت بعمليات عسكرية، مرة عندما اعتقل الشيخ احمد ياسين وتوقفوا بعدها، وفي المرة الأخيرة قاموا بعمليات عسكرية - مثل عملية خطف الجندي الإسرائيلي - عندما دخل عليهم الخط الإيراني.

* إذاً ما وجه الخلاف بين المنظمة وحماس - ما دامت الحركة لا تؤمن بالكفاح المسلح- بالنسبة لمفاوضات السلام؟

قال عرفات: ليس هذا غريباً ولا تناقضاً، فإنه يوجد داخل المنظمة خلاف حول عملية التفاوض مع الإسرائيليين، ولكننا ديمقراطيون داخل المنظمة، وأنا لم اذهب إلى المفاوضات بقراري منفرداً، وإنما ذهبت بقرار من المجلس الوطني والمجلس المركزي الفلسطيني وبنسبة قرابة 84 في المائة من الأصوات وبينما 16 في المائة معارضون للتفاوض.

ونحن نعتز بالديمقراطية في المنظمة - ديمقراطية "غابة البنادق" وهي أصعب الديمقراطيات، ولذلك يقوم أي واحد وينتقد ياسر عرفات وأعتز بذلك الأسلوب وأقول مقولة عمر بن الخطاب: رحم الله امرءاً قوم اعوجاج عمر.

* يقال إن إسرائيل كانت تعتمد على حماس في شق العمل الفلسطيني، وإثارة التناقض بينها وبين المنظمة لإنهاء الانتفاضة، فماذا تم في اجتماع الخرطوم الأخير وهل تم التوصل إلى صيغة ملائمة لتسوية الخلاف بين حماس وفتح؟

قال عرفات: وكان عائداً من الخرطوم- نعم، توصلنا إلى صيغة وسطية ومبدئية- ليست كما تريد حماس ولا كما تريد فتح - ولكنها صيغة لا بأس بها ونعتبرها خطوة على الطريق.

*   *   *   *

* هل تنضم حماس إلى منظمة التحرير لتوحيد الفصائل الفلسطينية في مرحلة مصيرية، ولمواجهة محاولات إسرائيل اللعب على الخلاف بين حماس وفتح والتحايل بالعلاقات الفلسطينية- الفلسطينية في عملية السلام؟

قال عرفات: إنهم يطلبون - أي حماس - أن يعرفوا حصتهم أولاً ونسبة تمثيلهم في المنظمة ومؤسساتها، ونريد أن يكون التمثيل والحصة حقيقية.

* هم يقولون أنهم يمثلون 35 في المائة من أهالي الضفة وقطاع غزة؟

قلت لرافسنجاني: لا تتدخلوا في شؤون المنظمة

قال عرفات: لماذا رغم أن لديهم التمويل والدعم الكبير من مصادر خارجية – مثل إيران ودول أخرى – وينفقون ملايين على الانتخابات في الداخل،  إلا أنهم لم يحصلوا على قاعدة أغلبية، وأعطى مثالاً في انتخابات اتحاد الغرف التجارية -17 ألف تاجر – في قطاع غزة، أنفقوا قرابة 18 مليون دولار وحصلوا عليها بشكل تبرعات من الخارج، ومع ذلك لم يحصلوا إلا على واحد من 16 عدد الغرف التجارية وبينما حصلت فتح على الأغلبية الساحقة أي 15، وأعطى مثالاً آخر من 29 نقطة انتخابية في الأرض المحتلة شملت طلاباً وعمالاً ومهندسين وأطباء وغرفاً تجارية حصلت حماس على أربع نقاط فقط، إذاً لماذا هذه المقولة؟

* ألا تعتقد أن وجودهم داخل المنطقة يفيد وحدة العمل الفلسطيني، ويقطع الطريق على محاولات الاختراق من جانب إيران؟
 
قال عرفات: يا سيدي نحن نرحب بهم، ولكن المشكلة أنه لا يوجد قرار في قيادتهم، لأن قيادة حماس تتبع قيادة الإخوان المسلمين في الأردن، وكانت هناك ضغوط عليهم لكي لا يذهبوا إلى تونس ولا يذهبوا إلى اجتماع الخرطوم، وقيادة الإخوان في الأردن لهم موقف من المنظمة وموقف من المفاوضات (ويختلف عن موقف الإخوان في مصر) بالإضافة إلى التحريض الإيراني.

وأما بالنسبة للاختراق فإنه لم يحدث إلا في حماس وجزء من حركة الجهاد الإسلامي ويتزعمه واحد اسمه فتحي الشقاقي وهو عميل للمخابرات الإيرانية، وليس أمراً خافياً عن قيادة المنظمة أن إيران تقوم بتمويل بعض الفصائل الفلسطينية لكي تنشق عن المنظمة، وما دفعته مؤخراً لهم يبلغ 30 مليون دولار ومثل هذه السياسة الإيرانية تضر بالقضية الفلسطينية، والأكثر من ذلك أن إيران تقوم بتدريب عناصر منشقة من حماس والجهاد لاختراقهم وهو نفس ما تفعله مع منظمات يسارية أخرى.

****

* ما نعرفه أن منظمة التحرير ساندت الثورة الإيرانية ووقفت معها بالمال والسلاح في بدايتها، وكنت على اتصال دائم مع الخميني، لماذا – إذاً- هذا الانقلاب من إيران تجاه المنظمة؟
 
قال عرفات: سبب كل ما يحدث من الاختراق ومحاولات شق المنظمة والتمويل هو الحرب العراقية الإيرانية، لأن موقفنا كان واضحاً ومحدداً من إيران وقتها صراحة للخميني عندما اجتمعت به وكنت في لجنة المساعي الإسلامية لإيقاف الحرب.
 
قال الخميني: لا بد أن تقف المنظمة والفلسطينيون معنا، لأننا مسلمون.
 
وقلت له: أنا لست "العلقمي" - الذي فتح بغداد - فقال الخميني: ولكننا لسنا التتار! وقلت له: إذاً، لا تهاجم العرب، نريد أن تكون عرباً للعرب وليست عليهم!
 

وقد حاولت كثيراً إيقاف القتال بين إيران والعراق - من خلال مساعي ثنائية ومساع إسلامية ومساع دول عدم الانحياز - ولكن بلا جدوى فقد كان الخميني يصر على موقفه واستمرار الحرب، وهذا هو السبب.
 
ومع ذلك فإنه تربطني صداقة شخصية مع هاشمي رافسنجاني من قبل الثورة، وقد قابلته مرتين - مؤخراً - في مؤتمر داكار حيث أخبرني أنه ضد مدريد ومفاوضات السلام، فطلبت منه أن ننتظر وربما نخرج بشيء، وقابلت رافسنجاني في جاكرتا وذكر نفس الكلام وقال أنه ضد مدريد والمفاوضات ويساند كل منظمة فلسطينية ترفض التفاوض، وكان ردي عليه: لقد قمتم بالتصويت ضد الجهاد، لذلك لا يحق لك المطالبة بالقتال في فلسطين، وقلت له: لا تلعب في بيتي، وأرسلت له بأنه لا داعي لأن تتدخل إيران في شؤوننا!
 
* هل يقصد حكام طهران ضرب المنظمة بالاختراق والإيقاع بين حماس والمنظمة ودفع الملايين وإيجاد التناقض؟
 
قال عرفات: إنها في الواقع محاولة للدخول على الخط الفلسطيني لتقوية الموقف الإيراني ولا تنس أن الخط الفلسطيني والقدس أمر مهم بالنسبة لهم عربياً وإسلامياً ودولياً، ولكنني لن أسمح بالتدخل في استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وقد قاتلت من أجل ذلك، ونحن نعلم أن إيران تقوم بالتحريض داخل الساحة الفلسطينية وبكل الرسائل.

*   *   *   *

بالنسبة لدعم الانتفاضة وما كانت تتلقاه المنظمة كالمساعدات من الخليج لأهالي الضفة وغزة، ما هو الموقف بعد حرب الخليج وما هي الخسائر التي لحقت بالفلسطينيين بسبب ما حدث؟
 
قال عرفات: صدقني أن الفلسطينيين كانوا أكبر الخاسرين في حرب الخليج، ويكفي أن 450 ألف فلسطيني طردوا من الكويت وكانت خسائرنا قرابة 12 مليار دولار، وللأسف منذ بدأت أزمة الخليج في أغسطس 90 وحتى الآن لم يصل إلى منظمة التحرير أي شيء، ولم نتلق أية مساعدات للانتفاضة ولا دعماً لأهالي الضفة وغزة، ورغم أن هذه الحرب كلفت العرب 624 مليار دولار – كما اعترفت بذلك أميركا – فإنه لا يصل إلى غزة الجائعة ما يساعدها على الصمود، مما اضطرني للجوء إلى الصين وفيتنام وماليزيا وأندونيسيا لمساعدتنا وبالفعل أعطونا بواخر أغذية لكي نمنع الجوع عن غزة، وهناك مساعدات عن طريق الهلال الأحمر المصري.
 
* هل يمكن أن يكون الدعم عن طريق قنوات أخرى غير المنظمة إذا كان هناك حساسية؟

قال عرفات: لقد أعطيتهم منذ عام بياناً كاملاً بالمؤسسات الفلسطينية واحتياجاتها وطلبت أن يدفعوا لها مباشرة ودون المنظمة، وأرسلت لهم عن طريق مصر كل البيانات المطلوبة للدعم، ولو يقدموا الدعم لمؤسسات الشهداء – وهي تكلف المنظمة 70 مليون دولار في السنة – وكذا الجامعات في الأراضي المحتلة – وبخلاف أعباء الجيش الفلسطيني والسفارات وغيرها – ويكفي أننا نتحمل نفقات المساجد والحرم في القدس الشريف مع الأردن، والمنظمة تحمل مسؤوليات كبيرة.

*   *   *   *

* ألم يحن الوقت لتصفية الخلافات العربية – العربية وتنقية الأجواء – في أعقاب حرب الخليج – ولكي تعود الجسور بين المنظمة ودول الخليج كما كانت قبل الأزمة، وعلى ضوء مبادرة الوساطة التي قام بها الرئيس مبارك بين السعودية وقطر حول الخلاف الحدودي، كيف تكون الخطوة الأولى وكيف يتم رأب الصدع العربي؟
 
قال عرفات: إنني أقول ما قاله الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات ودعوته للتسامح وتناسي الأخطاء، والخلافات وطي صفحة الماضي، لكن يستطيع العرب مواجهة التحديات القائمة وتتمكن الأمة العربية من الصمود أمام الأخطار.
 
ودعونا نتذكر أن بين فرنسا وألمانيا حروباً وثارات وعداوات قديمة، ولكن الذي صنع الوحدة الأوروبية والسوق المشتركة في الأساس هما المانيا وفرنسا، وكما أن أول جيش موحد في أوروبا الذي أنشأه الألمان والفرنسيون، ما العقبة ولماذا لا نتسامح وننسى الخلافات ونواجه التحديات؟ وإذا لم تنعقد القمة العربية في الوقت الحاضر. فمتى تنعقد؟

* هل يمكن أن يتم ذلك من خلال الجامعة العربية للتمهيد للمصالحة العربية - العربية، أو من خلال مساع حميدة لتنقية الأجواء أمام قمة مصالحة عربية، أو ماذا؟
 
قال عرفات: اسمحوا لي أن أقول أن الرئيس مبارك عليه مسؤولية كبيرة في هذا السبيل، لأن له رصيداً في كل مكان ويستطيع فعلاً أن يؤثر في كل الاتجاهات.

ومثل ما فعل بين السعودية وقطر، فإنه بثقله ورصيده يستطيع أن يكمل المهمة القومية وأنا أعرف أن العبء كبير ولكنني أقول له: أكمل، أكمل يا سيادة الرئيس فإنك الوحيد القادر على ذلك، وقد أرسلت محمود عباس "أبو مازن" إلى السعودية لحضور الاحتفال الذي يقام في الرياض - برعاية الأمير سلمان - بالذكرى الثامنة والعشرين لانطلاق الثورة الفلسطينية، وقبل ذلك ذهب في جولة في دول الخليج.

*   *   *   *

* بالنسبة للحوار بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الذي كان قد بدأ في تونس - من خلال السفير الأميركي بليترو - ثم انقطع، وبينما الرئيس بوش استقبل الوفد الفلسطيني في المفاوضات مرتين، فإن أحد المسؤولين في الخارجية الأميركية يرى أن ذلك لا يعتبر إعادة للحوار بين أميركا والمنظمة؟
 
قال عرفات: مثل هذا الرأي لا معنى له، لأن الوفد الفلسطيني من تعيين قيادة المنظمة وليس مفصلاً عنها، ولكن من حقي أن أسأل: عندنا وعد من الإدارة الأميركية ومن الرئيس بوش ومن بيكر الذي قال: انتظروا علينا إلى بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية وسنعيد الحوار معكم، ولكن ها نحن نرى أن مدة الإدارة الحالية تنتهي ولم يعيدوا الحوار.

يمكن أن يقولوا: إنها إدارة جديدة قادمة ولا نستطيع أن نتخذ قراراً ولا نقدم على خطوة مثل "البطة العرجاء" - ولكن هذه الإدارة قامت بعملية الصومال: وذهب بوش ووقع اتفاقية جديدة مع يلتسين للحد من التسلح النووي.

طيب ألا يستطيع أن يتخذ مبادرة مع الفلسطينيين ويقدم خطوة لإنقاذ مبادرة السلام التي طرحها بوش نفسه، أنا أطالب الرئيس بوش أن يأخذ زمام المبادرة في اتجاه إعادة الحوار مع المنظمة بناء على وعد بيكر.!

* هل معنى ذلك أن القضية الفلسطينية قد دخلت مرة أخرى إلى النفق المظلم رغم جولات المفاوضات، فأنا لم أعش أحلاماً وردية عندما بدأت عملية التفاوض، وقبلت أن نذهب إلى مدريد بشروط مجحفة حتى أقطع الطريق أمام السلام، ولكن الموقف - من شامير إلى   رابين-  لم يتغير ولم يحدث تقدم ولم تطرح مشروعات بناءة من جانب الوفد الإسرائيلي في المفاوضات وعلى مدى أربعة عشر شهراً.

صدقني عندما أقول لك شيئاً: بينما كانت الطائرة في الصحراء وأنا بداخلها مع رفاقي، بين الحياة والموت، والله كانت هناك صورتان لم تفارقاني، صورة أخي أبو جهاد - وقلت وقتها بصوت خاشع: انتظرني يا أبو جهاد - وصورة المسجد الأقصى، ولم تغب الصورتان عني في أية لحظة، أنا رجل مؤمن وإذن معنى ذلك: أنني سأصلي في المسجد الأقصى.

* وإذاً ما هو المخرج من النفق المظلم؟

قال عرفات: هذه الانتفاضة - التي تؤرقهم - ستستمر حتى تحقق أهدافها في إقامة دولة فلسطينية، ونحن واقعيون ومستعدون لإقامة دولة كونفدرالية فلسطينية أردنية طبقاً للخيار الطوعي والحر للشعبين الأردني والفلسطيني.

*   *   *   *

* ما هو الموقف الفلسطيني بعد قطع المفاوضات وقضية المبعدين، طالما أن عملية التفاوض لم تقطع نهائياً؟

قال عرفات: للصبر حدود، ولا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، فقد مضى أربعة عشر شهراً بلا محصلة، ولذلك في الجولة الأخيرة أرسلنا أربعة مفاوضين فقط في الوفد الفلسطيني، وأنا أدق الجرس لراعيي المؤتمر وللعالم للتنبيه من فشل عملية السلام.
 
أنا لا يمكن أن أستمر في مفاوضات ميتة، وإذا لم يعمل الطرفان - راعيا المؤتمر - على إنقاذ المفاوضات، وإذا لم تتحرك الصين واليابان وأوروبا فإننا لن نذهب إلى المفاوضات، ولست على استعداد لأن نعطي غطاء لأحد، هناك اتفاق على أن يكون أساس التفاوض "الأرض مقابل السلام" وتنفيذ القرارين 242 و 338 بما يعني الانسحاب من الأراضي المحتلة - بما فيها القدس - وكذا الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، ولكن ما نواجهه في المفاوضات هو المماطلة والتسويف.
 
* إذاً كان ينبغي أن تبنى المشروعات المقدمة من جانب إسرائيل على هذا الأساس؟
 
قال عرفات: طبعاً، ولذلك أقول أن هناك استهتاراً من جانب إسرائيل وفرجة من جانب أميركا - لا أريد أن أقول تواطؤ أميركي - وعلى الأقل السكوت على ما يحدث نوع من التحيز الأميركي لصالح إسرائيل! لأنه حينما يقع خطأ بسيط من جانبنا في المفاوضات أو من جانب الوفود العربية الأخرى، يرتفع صوت أميركا للاحتجاج!

* ماذا دار بين الرئيس بوش والوفد الفلسطيني - حيدر عبد الشافي وفيصل الحسيني وحنان عشراوي - حينما التقى بهم في البيت الأبيض؟ وماذا قال لهم؟

قال عرفات: لقد أبلغهم الرئيس بوش أنه من الصعب أن يقوم بمجهود في فترة التسليم والاستلام من إدارة كلينتون الجديدة، ولذلك أقول أنه برغم ذلك اتخذ بوش قرارات هامة، أرسل القوات الأميركية إلى الصومال والقرن الإفريقي - أي باب المندب- ووقع على اتفاقية الحد من التسلح النووي، ودخل معركة الجات مع أوروبا، إذاً بوش ليس مقيداً ولا مجمداً ويتخذ قرارات، فلماذا لا يتخذ قراراً من مسيرة السلام؟ السبب أنه لا يريد - والإدارة الأميركية - الضغط على إسرائيل.

وهذا التحدي مطروح على الأمة العربية في ظل النظام العالمي الجديد، وهل يكون على حسابنا مثل ما كانت يالطا واتفاقية سايكس - بيكون قبلها

*   *   *   *

ألا يستلزم ذلك موقفاً عربياً موحداً في مواجهة هذه التحديات، حتى يستطيع العرب تجاوز المخاطر المحدقة بهم؟

قال عرفات: ضروري، وإلا ستكون كارثة على الأمة العربية لأن معنى ذلك أن النظام العالمي الجديد سيكون على حسابنا، والتاريخ لا يرحم!

* ألم يحدث اتصال فلسطيني مع إدارة كلينتون أو معاوني كلينتون - في وقت مبكر - مثل ما فعلت إسرائيل؟

قال عرفات: ليس لدينا القدرة المالية ولا القدرة الدعائية لدعم ومساندة حملة كلينتون، لم يكن لدينا أدوات التأثير، وأدوات الضغط العربية معدومة ولا نجيد استخدامها، وأقول بأسف: يا وحدنا!

* الصورة بهذا الشكل تبدو مقلقة ومثيرة للهواجس ومظلمة الجوانب؟

قال عرفات: مقلقة ومتعبة شيء، ولكن لا تبعث على اليأس!

* أبو عمار، هل يتنبه الشعب الإسرائيلي إلى هذا الخطر الذي يتهدد السلام؟

قال: عليهم أن ينقذوا السلام، لأنه ليس مصلحة فلسطينية وعربية فقط، وإنما في مصلحة إسرائيل بنفس القدر، ولأن بديل السلام هو الفوضى والاضطراب وبلقنة المنطقة!

بطرس غالي والمشاكل الساخنة
أولوية الحل لعودة المبعدين
* هادية الشربيني

بعد مضي عام على توليه منصب السكرتير العام للأمم المتحدة، قام الدكتور "بطرس غالي" بزيارة عاجلة لمصر لم تستغرق أكثر من يومين قادماً من أديس أبابا بعد أن شارك في المؤتمر التمهيدي الذي عقد مؤخراً في العاصمة الأثيوبية كخطوة نحو تحقيق المصالحة الوطنية في الصومال، أيضاً انصبت اهتمامات السكرتير العام للأمم المتحدة  فور وصوله إلى القاهرة على تقديم تقرير للرئيس حسني مبارك حول تطورات الأوضاع في الصومال بصفة خاصة وما يدور في القرن الإفريقي بصفة عامة.
 
وفي نفس يوم وصول الدكتور بطرس غالي للقاهرة، وصل أيضاً مبعوث الأمم المتحدة إلى إسرائيل "جارى خان" الذي جاء للتشاور مع المسؤولين بمصر، ومع الدكتور غالي لوضع خطة للتشاور مع الجانب الإسرائيلي لإيجاد تسوية سلمية لمشكلة المبعدين الفلسطينيين بعد فشل جهود واتصالات المبعوث الأول للأمم المتحدة في هذا النطاق.
 
وكان لا بد من خلال اجتماعات السكرتير العام للأمم المتحدة مع الرئيس حسني مبارك وكبار المسؤولين في القاهرة من أن تثار أيضاً مشكلة البوسنة والهرسك التي تزداد تدهوراً يوماً بعد آخر في ظل بطء المجتمع الدولي في مواجهتها.

أولوية الحل للمبعدين

ومما لا شك فيه أنه مع الإصرار الإسرائيلي بالتمسك بموقفها تجاه المبعدين، كان لا بد وأن تكون هذه القضية هي الأولى التي يتم بحثها في الاجتماعات التي تمت بين الرئيسين حسني مبارك وياسر عرفات خلال الأسبوع الماضي، وكذلك كانت أيضاً من أهم الموضوعات التي طرحت للنقاش أثناء اجتماع الرئيس مبارك مع الدكتور بطرس غالي السكرتير العام للأمم المتحدة خلال زيارته القصيرة للقاهرة، لما لهذه القضية من تأثير سلبي على عملية السلام في الشرق الأوسط!
 
وقد أكد عمرو موسى وزير الخارجية عقب هذين الاجتماعين، على أن الجهود المصرية مستمرة مع المسؤولين الإسرائيليين ومع الأمم المتحدة ومع المسؤولين الفلسطينيين لاتخاذ الموقف الذي يستند إلى القانون الدولي واتفاقيات جنيف، لأن مثل هذا الإجراء يعتبر بمثابة طرد جماعي يمنعه القانون الدولي.
 
وأعرب عمرو موسى عن أمله في أن يكون هناك جديد مع استمرار المساعي التي ما زالت قائمة، وأن الدكتور غالي قد بعث بمبعوثه لإسرائيل من أجل هذا الغرض.

وفي نطاق مناقشة هذه المشكلة، بحث الرئيس حسني مبارك مع السكرتير العام للأمم المتحدة عدداً من القضايا المطروحة حالياً أمام الأمم المتحدة بالتركيز على الموضوعات المتعلقة بعملية السلام في الشرق الأوسط.

ماذا بشأن القرن الإفريقي؟

والمعروف أنه على مدى السنوات الماضية شهدت منطقة القرن الإفريقي العديد من التقلبات السلبية التي ساعدت على إشاعة مناخ من عدم الاستقرار في هذه المنطقة الإستراتيجية الهامة، وعلى رأس هذه التقلبات الصراع الدامي بين القبائل الصومالية الذي أدى إلى انتشار المجاعات والأوبئة.
 
ونظراً لمكانة مصر ودورها الرائد في القارة الإفريقية، فقد اهتمت منذ بداية الأمر بمتابعة مجريات الأمور في الصومال بصفة خاصة وفي القرن الإفريقي بصفة عامة.
 
وانطلاقاً من ذلك وجد الدكتور غالي أنه من الأهمية بمكان تقديم تقرير واف حول محادثاته في القرن الإفريقي للرئيس مبارك أثناء الاجتماع الذي دار بينهما.
 
ومن المعروف أن الدكتور غالي أثناء تواجده في منطقة القرن الإفريقي قبل زيارته لمصر قام بزيارة الصومال وأجرى اتصالاته مع القيادة الموحدة تناولت دور الأمم المتحدة والتعاون بينها وبين القيادة الصومالية.
 
ومن المعروف أن القوات المصرية تشارك في نطاق الأمم المتحدة في الصومال.
 
كما قام الدكتور غالي بافتتاح مؤتمر المصالحة بين القيادة الصومالية في أديس أبابا، ذلك المؤتمر الذي استمر خمسة أيام وانتهى بتوقيع الأطراف الصومالية المتحاربة اتفاقاً مؤقتاً يمهد الطريق لعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية في العاصمة الأثيوبية في 15 ابريل القادم.
 
وقد استعرض الدكتور بطرس غالي مع الرئيس مبارك تطورات الأوضاع في اريتريا ولا سيما وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد وافقت على إجراء استفتاء للتعرف على رأي واتجاه الشعب الاريتري حول الاستقلال.
 
ومن المعروف أن الأمم المتحدة سوف تتولى عملية مراقبة الاستفتاء وتقديم المساعدات اللازمة لإعادة بناء دولة اريتريا.

مكانة مصر العالمية

وفي نطاق التغييرات الجذرية التي شهدها المجتمع الدولي منذ تفكك ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي وهي تغييرات جذرية سريعة ومتلاحقة، هنا تفجرت معها العديد من الأزمات الدولية، وبرزت من خلالها العديد من التكتلات السياسية والاقتصادية الجديدة، بل وأصبح العالم يعيش في مرحلة انتقالية ما بين نظام عالمي قديم للاتجاه نحو نظام عالمي جديد.
 
ولقد رأت مصر والعديد من ق