خطاب الرئيس ياسر عرفات أمام مؤتمر القمة العربية السادسة عشرة في تونس (2004/5/22)

2016-01-14

رام الله – تونس في 2004/5/22

بسم الله الرحمن الرحيم

(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض).

صدق الله العظيم

فخامة الأخ الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي رئيس القمة العربية
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة القادة العرب
اسمحوا لي بداية أن أتوجه بالشكر لصاحب العظمة الأخ الملك حمد بن عيسى آل خليفة على رئاسته للقمة العربية السابقة وأهنئ الأخ الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي على هذه الرئاسة للقمة العربية المنعقدة في رحاب تونس الشقيقة متمنياً لفخامتكم التوفيق في هذه المهمة الهامة في ظل هذه الظروف والتحديات التي نواجهها كأمة عربية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،.
من فلسطين من القدس الشريف أرض الآباء والأجداد أحييكم باسم شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط في أرض الرباط المباركة وأنتم تجتمعون اليوم في تونس الشقيقة في هذه الأوقات الحاسمة من تاريخ أمتنا العربية، ولوضع الإستراتيجية العربية الموحدة دفاعاً عن الوجود والمستقبل وعن الأمن القومي العربي ولمساعدة شعبنا في فلسطين والقدس الشريف وشعب العراق الشقيق.
وإن شعبنا الفلسطيني على يقين بأن فلسطين التي يُغيّب الاحتلال الإسرائيلي رئيسها عن حضور هذه القمة التاريخية، ليست غائبة، بل حاضرة فيكم وبكم، ففلسطين كانت وستبقى في القلب والوجدان لإخوتنا القادة العرب، ولأمتنا العربية جمعاء كون قضيتها هي القضية المركزية للأمة العربية والخطر القابع في فلسطين اليوم حيث يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة وإقامة الجدار العنصري والاستيطان والجرائم اليومية البشعة ضد جماهيرنا في الضفة وغزة وآخرها ما يجري الآن في منطقة رفح بجانب ما يجري في القدس الشريف وضد مقدساتنا المسيحية والإسلامية فيها وفي بيت لحم التي أعيد احتلالها وغزة وخان يونس وبيت حانون ودير البلح والخليل وطولكرم وقلقيلية وجنين ونابلس وغيرها مما يحتاج إلى وقفة جادة ، ففلسطين يا أخوتنا القادة العرب هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام، والمؤامرة عليها كما يعرف الجميع منذ سايكس بيكو الأول والمؤتمر الصهيوني في بازل سنة 1897 وحتى الآن.

فخامة الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي
أصاحب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة
منذ أكثر من أربعين شهراً وأرضنا وشعبنا يتعرضان لتصعيد غير مسبوق في العدوان الإسرائيلي الغاشم، إنه عدوان غاشم يطال الأرض والإنسان والمقدسات والبنية التحتية ومحاولة تنفيذ خطط التهجير لشعبنا الصامد والمرابط في أرض الرباط المباركة بصلابة وعزيمة وإيمان.

كما وإن حكومة إسرائيل تستخدم كما تعرفون مختلف أسلحة ترسانتها العسكرية بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً مثل اليورانيوم المستنفذ والغازات وغيرها وتشنّ حرباً مفتوحة وتصعيداً عسكرياً آثماً ضد الشعب الفلسطيني، إن ما حدث هذه الأيام في مدينة رفح يعد من أبشع جرائم العصر الحديث ومنافياً لكل الأعراف الإنسانية والأخلاقية لحجم عدد الضحايا من الشهداء والجرحى من أبناء شعبنا أطفالاً ونساءً ورجالاً وقوة التدمير الهائل لمساكن ومنازل مواطنينا وبنيتنا التحتية الشعبية والرسمية وكأنه زلزال وضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والاتفاقات والأعراف الدولية والإنسانية، وآخرها قرار مجلس الأمن 1544 وهذه الإدانة العالمية الواسعة ومع ذلك لازالوا مستمرين في ممارسة أبشع أنواع جرائم الحرب والتمييز العنصري، وهي سياسة بلغت ذروتها بإقدام الاحتلال الإسرائيلي على بناء الجدار العنصري الذي يصادر 58% من أراضي الضفة، لمنع إقامة دولتنا المستقلة فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، فهل هذا مقبول؟ وتواصل حكومة إسرائيل تصعيدها العسكري في كل مكان في أرضنا وممارسة الإرهاب. وارتكاب جرائم الاغتيالات للقيادات والكوادر الوطنية مثلما حدث باغتيال أخي الشهيد الشيخ أحمد ياسين وأخي الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وأخي الشهيد أبو علي مصطفى وغيرهم الآلاف من الأخوة الشهداء والجرحى، والأسرى والمعتقلين من القادة والكوادر المناضلين والمناضلات.

إن حكومة إسرائيل بهذه الحرب الشاملة وبإعادة الاحتلال الشامل لأرضنا إنما تؤكد استمرار رفضها لخطة السلام العربية ولقرارات الشرعية الدولية والإتفاقات الموقعة بما فيها القرارات 242، 338، 425، 252، 1397، 1515، 1544، 194 وخطة خارطة الطريق التي وضعت عليها 14 تحفظاً لتفريغها من مضمونها ولتعطيل دور اللجنة الرباعية للتقدم في عملية السلام لأن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام بل تعمل بإصرار على تكريس الاحتلال، وهنا أتوجه إليكم إخوتي القادة العرب لأهمية اجتماع لجنة القدس بصفة دائمة وبأسرع وقت ممكن لمتابعة ما تتعرض له المدينة المقدسة من خطر التهويد والتدمير الزاحف على المدينة وأهلها ومقدساتها، ولأن القدس الشريف أمانة في أعناقنا جميعاً وإن شاء الله سنصلي سوياً في القدس الشريف شاء من شاء وأبى من أبى بعونه تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم
" وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا إن الله لا يخلف وعده "
صدق الله العظيم

فخامة الرئيس
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة
وبالرغم من ذلك وفي مواجهة هذه الحرب لم ولن تنكسر إرادة شعبنا وصموده وإيمانه، في مواجهة هذا التصعيد العسكري الشامل بكل جرائمه ضد شعبنا وبنيتنا التحتية وتجريف مزارعنا ونسف مصانعنا والتدمير المستمر لبنيتنا التحتية ولإقتصادنا بما فيها إقتحام البنوك وسرقتها ومواصلة حجز أموالنا الجمركية منذ أكثر من أربعين شهراً كما تعرفون وأمام هذا الطغيان لهذا الاحتلال الغاشم لم يهتزّ إيمان شعبنا العميق بحقوقه في الحرية والاستقلال، وهنا يأتي أهمية التحرك دولياً للضغط على هذه الحكومة الإسرائيلية لوقف عدوانها وإحتلالها لأرضنا وشعبنا والعودة إلى سلام الشجعان وإلا مبادرة السلام السعودية العربية وخارطة الطريق والجهود الطيبة المبذولة دولياً وعربياً ومن اللجنة الرباعية ومن إخوتنا القادة العرب جميعهم وخاصة جيراننا الأخوة في مصر والسعودية والأردن.

وفي مواجهة هذه الحرب العدوانية يا إخوتي يا أحبتي القادة نؤكد مجدداً تمسّكنا بخيار السلام العادل والدائم والشامل الذي يلبي الحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا من خلال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 67 بما فيها الجولان والجنوب اللبناني ولإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وإيجاد الحلّ العادل لعودة اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي (194) ومبادرة السلام العربية.

إننا نؤكد أمامكم وأمام العالم أجمع رفضنا الدائم والقاطع لاستهداف المدنيين سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين، لأن ذلك يتناقض مع قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا ونضالنا الإنساني وضد عقائدنا الدينية القويمة الرافضة للإرهاب، وقد أعلنا تجاوبنا مع مختلف المبادرات والمشاريع التي طرحها المجتمع الدولي منذ أوسلو وشرم الشيخ وكامب ديفيد والواي ريفر وطابا وتوصيات "ميتشل" و "تفاهمات تينت"، ووافقنا على خطة "خارطة الطريق" التي أقرتها اللجنة الرباعية الدولية ومجلس الأمن ولتنفيذ رؤية الرئيس بوش بإقامة دولة فلسطين بجانب دولة إسرائيل.

فخامة الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة
أمامكم في هذه القمة العربية، فإنني أعلن اليوم لكم وللعالم أننا ملتزمون بسلام الشجعان وان منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتنا الوطنية وأجهزتنا الأمنية على أتم استعداد لتسلم كافة المسؤوليات الأمنية المترتبة عليها في الاتفاقات الأمنية المشتركة في جميع المناطق والمدن التي تنسحب منها قوات الاحتلال الإسرائيلي ولمباشرة تنفيذ "خارطة الطريق"، ونحن نرحب بآلية عربية – ودولية لمراقبة وتنفيذ هذه الخطة مع حكومة إسرائيل والقوة الدولية لحماية شعبنا.
لقد صدرت في الآونة الأخيرة تصريحات ومواقف إسرائيلية تتحدث عن نية هذه الحكومة الإسرائيلية في الانسحاب من قطاع غزة وإخلاء بعض البؤر الاستيطانية في الضفة، ونحن نؤكد هنا أن الانسحاب الإسرائيلي وفق الاتفاقات جميعها منذ أوسلو يجب أن يشمل قطاع غزة والضفة الغربية بشكل متزامن، فالضفة الغربية بما فيها القدس الشريف، وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة وسياسية وقانونية وينطبق على الضفة الغربية ما ينطبق على قطاع غزة من إجراءات وقرارات، وتحت الإشراف والرعاية الدولية والعربية، وأنا أعلن من قلب الحصار أن الاحتلال والحل العسكري الإسرائيلي لن يوفر الأمن والسلام والاستقرار للإسرائيليين وأن طريق المفاوضات فقط وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية وخارطة الطريق والمبادرة العربية هي التي تحقق الأمن والسلام والجيرة الطيبة بين الشعبين وفي المنطقة كلها ومن أجل مستقبل زاهر لأطفالنا وأطفالهم.

فخامة الرئيس زين العرب زين العابدين بن علي
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة
إن تحديات كبيرة وخطيرة ومتعددة تواجه أمتنا العربية اليوم وإنني أدعو من موقعي المحاصر إلى تعزيز التضامن العربي بكل السبل والوسائل، فلن يحمي الأمة العربية والوطن العربي غير وحدتها وتضامنها وتكاتفها أمام هذه التحديات، وإن جماهير الأمة العربية تتطلع اليوم لملوكها ولرؤسائها ولقادتها لمزيد من التعزيز للتضامن والأخوة العربية والمزيد من تفعيل دور الجامعة العربية - بيت العرب.

واسمحوا لي أن أدعو القمة العربية إلى دعم العراق الشقيق والمحافظة على حريته ووحدته الراسخة أرضاً وشعباً لكل أبناء العراق الأعزاء علينا جميعاً.
أحييكم من أرض فلسطين، أرض الشهداء والصمود وأرض الرباط والإسراء والمعراج لسيدنا محمد (صلعهم) ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام وأقول إن صمود شعبكم الفلسطيني المعتزّ بانتمائه العربي وصلابة وقوة مساندة ودعم أشقائنا العرب وأنتم أيها الأحبة قادة وشعوباً لتعزيز هذا الصمود البطولي لشعبنا الفلسطيني دفاعاً عن أرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية ولا بد لي إلا أن أشكر إخوتنا العرب الذين واصلوا دعمهم ومساعداتهم لشعبنا وكذلك كل الأصدقاء في العالم أجمع.
أتمنى لكم النجاح والتوفيق
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)
صدق الله العظيم
ومعاً وسوياً حتى القدس حتى القدس حتى القدس
بعونه تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته