خطاب عرفات امام القمة 38 لمنظمة الوحدة الافريقية والاولى للاتحاد الافريقي 2002

2016-01-14
 

 

 

فخامة الأخ الرئيس ثابو امبيكي،

أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة،

أصحاب المعالي والسعادة،

يطيب لنا أن نتوجه في البداية بخالص التحية والتقدير، لكل من فخامة السيد الرئيس فريدريك شيلوبا، الرئيس السابق لجمهورية زامبيا، الذي عقدت القمة السابقة برئاسته، ولفخامة السيد الرئيس ليفي باتريك مواناواسا، رئيس جمهورية زامبيا، كما ونحيي فخامة الصديق العزيز السيد الرئيس ثابو امبيكي، رئيس القمة الثامنة والثلاثين لمنظمة الوحدة الإفريقية ورئيس القمة الأولى للاتحاد الإفريقي، ونشكره على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، معربين له عن ثنائنا وتقديرنا الكبير لخطة التنمية الإفريقية الجديدة نيباد Nepad، التي هي محل فخرنا كما هي محل فخر الرئيس امبيكي وزعماء وقادة القارة الإفريقية، ونثمن عالياً الجهود التي تبذلونها من أجل الانبعاث الإفريقي، وكلنا ثقة بأن هذا الانبعاث سيتجسد بهمة أبناء هذه القارة العملاقة وقادتها، للمضي بها نحو آفاق أسمى وأرحب من التقدم والازدهار والرخاء.

ولا يفوتنا أن نعبر كذلك عن الإكبار لجهودكم، أيها الاخوة والأصدقاء، مع افتتاحكم القمة الأولى للاتحاد الإفريقي، والتي من خلالها فإنكم إنما تربطون إنجازات وجهود الماضي بتطلعات المستقبل للقرن الحادي والعشرين، فتشكيل هذا الاتحاد وانعقاد قمته الأولى يفصح عن رغبات جامحة في تطوير منظمة الوحدة الإفريقية سياسياً واقتصادياً، من أجل خدمة وتأمين أهداف وحدتكم الإفريقية؛ وكلنا ثقة بأن مساعيكم ستكلل بالنجاح لأن إرادتكم صلبة وتصميمكم لا يفل للوصول إلى هذه الغاية، ومعكم كل أصدقائكم الذي يتمنون لكم النجاح والتوفيق، ولا ريب بأن هذا القرن سيكون قرن الانبعاث الإفريقي الذي تصبون إليه ويتطلع إليه العالم وينتظره إخوانكم العرب.

كما ولا يفوتنا أن نتوجه في هذا المقام بتحية إكبار واحترام لسيادة الأخ القائد معمر القذافي، على جهوده القيمة والتي بدأت منذ قيام فكرة العمل للاتحاد الأفريقي جنباً إلى جنب مع إخوانه الزعماء الأفارقة والعرب في بعث هذا الاتحاد الإفريقي للوجود.

نعم أيها الأخوة والأصدقاء الأعزاء، إنه لمن دواعي سعادتنا أن نخاطبكم اليوم، وأنتم تعقدون قمتكم الموقرة هذه، والتي تأتي في ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة والخطورة والحساسية بالنسبة للأمن والسلم العالميين؛ وإنني لأستحضر في ذاكرتي وأنا أوجه إليكم هذه الكلمة النضال والكفاح الشجاع الطويل والمرير الذي خاضته شعوبكم، وما قدمته من تضحيات جسام، والتي بحكمة رجالاتها وقادتها التاريخيين أمثال نيلسون مانديلا وجمال عبد الناصر وغيرهما من هؤلاء القادة العظام، وحكمائها استطاعت أن تنتزع استقلال أقطارها، وحريتها، بعد أن دفعت ثمناً باهظاً من الدماء والألم والمعاناة بسبب الظلم والقهر والاستعباد والتمييز العنصري الذي تعرضت له في عهود الاستعمار البائدة.

واليوم، أيها الأخوة والأصدقاء، وأنا أحدثكم باسم الشعب الفلسطيني من تحت الحصار والاحتلال الإسرائيلي الغاشم لبلدي فلسطين، هذا الشعب الذي يفتخر ويعتز بديمقراطيته في انتخاب قيادته والذي لا ولن يسمح بفرضها عليه مثلما تحاول الآن بعض القوى المعروفة، ومثلما عانت شعوبكم وكابدت فإن شعبنا الفلسطيني قد عانى ولا زال يعاني الضنى ويتعرض لحرب همجية ودموية وعنصرية ووحشية تشنها عليه إسرائيل قوة الاحتلال الغاشم، مستخدمة أبشع أساليب القتل والاغتيال والتدمير، وكل ما في ترسانتها العسكرية من الأسلحة والذخائر المدمرة الفتاكة وحتى المحرمة دولياً، والتي تحتوي على اليورانيوم المستنفد والغازات السامة وغيرها، في إطار حربها الإرهابية والدموية الشرسة، التي تشنها على شعبنا ومدننا وقرانا ومخيماتنا، حيث تعيث فيها تخريباً وترهيباً واعتقالاً واقتلاعاً للأشجار، وتجريفاً للحقول والمزارع، وتدميراً منهجياً للمؤسسات العامة والخاصة، والمقرات الأمنية والرئاسية، والبنية التحتية والصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها الكثير في إطار سياسة الإذلال والاحتلال والاغتيالات والقتل والاعتقالات الجماعية والاجتياحات المتكررة واليومية والحصار والإغلاق، ومنع حرية التنقل والحركة، ناهيكم عن عمليات النهب والسرقة، بما فيها مصادرة أموالنا الضرائبية طوال ألـ 23 شهراً الماضية، والممارسات الوحشية لقطعان المستوطنين في الطرق والقرى وحرق المزروعات في موسم الحصاد كل ذلك يجري تحت سمع العالم وبصره، وشهد عليه المراقبون والبعثات لحقوق الإنسان الدولية.

فخامة الأخ الرئيس ثابو امبيكي،

أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة،

أصحاب المعالي والسعادة،

تعلمون، أيها الأصدقاء، أن السلام الشامل والعادل والمتكافئ، القائم على الحق والعدل، والذي عقدته مع شريكي الراحل إسحق رابين والذي إغتالته هذه القوى الصهيونية المتطرفة في إسرائيل، وهذا السلام سلام الشجعان هو خيارنا الاستراتيجي الثابت، مثلما هو خيار أمتنا، والذي تجلى في المبادرة العربية التي قدمها سمو ولي العهد السعودي الأمير عبد الله واعتمدتها القمة العربية في بيروت، والذي قدمنا من أجله التضحيات الجسام، غير أن حكومة إسرائيل قد قابلت جهودنا، وجهود أمتنا ومحبي العدل والسلام في العالم بشنها هذه التصعيدات العسكرية الشرسة على شعبنا وسلطته الوطنية، بهدف تقويض عملية السلام، ولفرض رؤيتها للاحتلال والسيطرة على المنطقة، ضاربة بذلك عرض الحائط بكل الاتفاقات الموقعة والقرارات الدولية وبكل جهد دولي وإقليمي وعربي للخروج من الأزمة الراهنة.

وهاهي الآن تحتل كافة المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية، بهدف إعادة فرض الإدارة العسكرية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وفقاً لخطة طويلة المدى، لضرب عملية السلام والأمن والاستقرار في أرضنا المقدسة فلسطين، وفي منطقة الشرق الأوسط وتأثيرات ذلك على السلام العالمي والاقتصاد العالمي.

نعم، أيها الأخوة والأصدقاء، لقد قبلنا بالحل الذي ارتأته الشرعية الدولية، وقراراتها التي نصت على انسحاب إسرائيل قوة الاحتلال من الأراضي العربية والفلسطينية وإلى حدود الرابع من حزيران لسنة 1967، وفقاً لقرارات مجلس الأمن 242، و338، 425، وكذلك القرار 194، الذي وضع الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين غير أن إسرائيل لا زالت مستمرة ومنذ عقود طويلة برفض الالتزام بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين، وتضع نفسها فوق القانون الدولي، وتتنكر لكافة المواثيق والأعراف والقوانين والقرارات الدولية، والقانون الدولي الإنساني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة، ناهيكم عن تنكرها لكافة الاتفاقات التي تم توقيعها معنا، والتي لو نفذت بأمانة وصدق وفي مواعيدها المحددة لكنا قد وصلنا إلى السلام المنشود، سلام الشجعان، ولكن لقد بات واضحاً وبما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام، وإنما تريد الأرض والسيطرة واستمرار الاحتلال، وتريد أن تفرض شروطها وإملاءاتها على المنطقة كلها وعلى شعبنا بهدف بسط هيمنتها على أرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية في هذه الأرض المقدسة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد سيدنا المسيح عليه السلام.

فخامة الأخ الرئيس ثابو امبيكي،

أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة،

أصحاب المعالي والسعادة،

إن انعقاد قمتكم هذه، وفي هذا الوقت وهذه الظروف، ليكتسب أهمية كبيرة، وذلك لمواجهة التحديات وإيجاد الحلول الناجعة التي تواجهها قارة إفريقيا خاصة، وجيرانها والعالم بأسره من فقر ومجاعة وتخلف وأزمات بيئية ومشكلات صحية واقتصادية وتعليمية واجتماعية خطيرة ومتفاقمة، وما يواجهه العالم من خطر الإرهاب، بما في ذلك إرهاب الدولة المنظم، وحرب الإبادة والتطهير العرقي التي تقوم بها إسرائيل قوة الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني؛ وتعلمون جميعاً بأننا أدنا وندين الإرهاب بكافة صورة وأشكاله وكل أعمال تمس حياة المدنيين من أي مصدر كان وأياً كانت جنسيتهم إسرائيليين أو فلسطينيين، وقد أكدنا على موقفنا هذا مراراً وتكراراً ولطالما أعلناه على الملأ وفي مناسبات عديدة، وأعربنا عن استعدادنا للمشاركة في الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، لا سيما وأن شعبنا الفلسطيني يتعرض يومياً ودون توقف لأبشع صور الإرهاب الرسمي والتصعيد العسكري المنظم والذي يجسده الاحتلال الإسرائيلي بأقبح صوره وأكثرها وحشية وغطرسة وامتهاناً للكرامة الإنسانية ولحق شعبنا في تقرير مصيره، وبسط سيادته على أرضه ومقدساته، وليس بخاف عليكم أن هذا الاحتلال هو آخر الاحتلالات الموجودة في العالم، ومن هنا فإننا نطالب المجتمع الدولي واللجنة الرباعية (أمريكا وروسيا وأوروبا والأمم المتحدة) وكل الأحرار والشرفاء في العالم بل ونناشدهم لتحمل مسؤولياتهم، وتفعيل دورهم في مكافحة هذا الإرهاب، وحماية شعبنا من إرهاب المستوطنين وجيش الاحتلال وجرائمهم ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا.

وحرصاً منا على تحقيق السلام العادل والشامل في منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط، فقد استجبنا لكافة المبادرات الإقليمية الهادفة لتحقيق السلام منذ مؤتمر مدريد للسلام، ومن هذا المنطلق فقد أعلنا عن وقف فوري وشامل لإطلاق النار عدة مرات، وعن حالة الطوارئ، واتخذنا سلسلة من الإجراءات والقرارات للحفاظ عليه، ولقد أكدنا على الدوام بأن العنف والاحتلال والتصعيد العسكري الخطير ليس هو السبيل إلى الحل المنشود، وإنما هي المفاوضات السياسية التي لا بد وأن تكون هي الوسيلة الوحيدة لحل الصراع، ولكن رغم كل ما نبذله من جهد وما قبلنا به من مبادرات ومساعي دولية بما فيها ما قام به الرئيس امبيكي باسم أفريقيا ودول عدم الانحياز وكذلك الرئيس مبارك وإخوانه القادة العرب، فلا زالت إسرائيل ترفضها، ولا زال جيشها يمعن في القتل والاغتيال والاعتقال لجماهيرنا، والتدمير والتخريب لمؤسساتنا كل ذلك بهدف تكريس نظام الكانتونات، والفصل الذي يفرضه على شعبنا وأراضينا ومقدساتنا من خلال مستوطناتها اللاشرعية، وطرقها الالتفافية، وأخيراً ما يسمونه بالجدار الأمني الذي يذكر بجدار برلين حول القدس الشريف والجدار الإلكتروني الفاصل، وهذا يهدف إلى ضم عشرات آلاف الدونمات من أراضينا، وتهجير عشرات الآلاف من جماهير شعبنا منها ومن قراهم ومخيماتهم، حيث ستدمر هذه الجدران كل مقومات البقاء والوجود لهم في بيوتهم وأراضيهم ومزارعهم التي هي مصدر عيشهم الأوحد في ظل هذا الحصار التجويعي والإغلاق المفروض على أراضينا التي يسعى الاحتلال لتحويلها إلى كانتونات وباستونتانات، تحت إحتلالهم الهمجي العنصري الخطير.

وفي ظل هذه الظروف المفروضة على شعبنا وأرضنا فإن الاحتلال يهدف لحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية التي أعلناها، وسيحول دون تمكيننا من تنفيذها في مواعيدها المحددة، وسيعيق خططنا، ويعرقل جهودنا في الإصلاح، وإعادة الإعمار والبناء لوطننا ومؤسساتنا، التي دمرتها آلة الحرب الهمجية والدموية الإسرائيلية.

إن هذه السياسة الإسرائيلية تهدف إلى تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية، وتدمير كل مقومات وجودها، وذلك في الوقت الذي تجاوبنا فيه مع كافة الجهود والمبادرات الإقليمية والدولية، وآخرها المبادرة العربية التي حظيت بالإجماع العربي في مؤتمر قمة بيروت، والقائمة على أساس مبادرة صاحب السمو الملكي الأخ الأمير عبد الله بن عبد العزيز وعلى مبدأ الانسحاب من كافة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة وفقاً للقرارات الدولية 242، 338، 425مقابل التطبيع الكامل، غير أن إسرائيل قوة الاحتلال لم تدع وسيلة لنسف كل جهد يرمي للخروج من الأزمة الراهنة، وإنه ليس من العدل في شيء استخدام المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، وإنما العدل والمنطق يقضيان بأن يقوم كل طرف باحترام التزاماته وتعهداته، والاحتكام لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، وتطبيق التفاهمات والاتفاقات المبرمة، واستئناف المفاوضات من حيث انتهت إليه في طابا، ووفقاً لمبدأ الأرض مقابل السلام، وطبقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي 242، و338، و425، و1397، و1402، و1403، وكذلك القرار 194، لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، لأن مثل هذا التنفيذ الدقيق والأمين لهذه القرارات هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام، الذي يحفظ الأمن والاستقرار لكافة شعوب ودول المنطقة، ويضمن لشعبنا العيش بكرامة حراً سيداً مستقلاً آمناً في دولته الفلسطينية المستقلة، وفي إطار من التعايش والثقة والاحترام المتبادل مع كافة جيرانه بما فيهم إسرائيل، ومن أجل أطفالهم وأطفالنا، والأجيال القادمة.

إننا، أيها الأصدقاء، لنعول كثيراً على جهودكم وتدخلكم ودعمكم وتضامنكم، لتفعيل الجهود الدولية، لوقف العدوان الهمجي والوحشي المتواصل على شعبنا، ولحث الأمم المتحدة على الاضطلاع بدورها وتحمل مسؤولياتها، لحمل إسرائيل قوة الاحتلال على سحب جيشها من أراضينا وإلى حدود 4/6/1967، وكذلك العمل لدى القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة في العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها اللجنة الرباعية للاطلاع بدورها بأمانة وإخلاص ووفقاً لبرنامج زمني واضح وصادق ومتوازن، لا لبس فيه، ولا يشوبه الغموض، وصولاً للحل العادل والمتكافئ والمنشود، إذ أن كل مبادرة تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، ولا تلبي تطلعاته وطموحاته الوطنية، لن تكون مقبولة عليه، وإنما ستشكل تخليداً وإذكاء للصراع، ودفعاً للعودة إلى مربعات العنف والصراع وانعدام الأمن والاستقرار في المنطقة.

ختاماً أحييكم وأشكركم، وأتمنى لهذه القمة العتيدة كل النجاح والتوفيق والخروج بالقرارات والتوصيات التي تعود بكل الخير على شعوب ودول قارتكم الصديقة.

والــســلام عليكــم


8/7/2002