خطاب عرفات امام لجنة القدس 2002

2016-01-14

بسم الله الرحمن الرحيم

(سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)

صدق الله العظيم

صاحب الجلالة الأخ الملك محمد السادس

الإخوة ممثلي الدول المشاركين في إجتماع لجنة القدس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

باهتمام وتقدير كبيرين، تلقينا رسالتكم الأخوية، التي تضمنت دعوتكم لنا لحضور اجتماع لجنة القدس، الذي سيعقد برئاستكم اليوم الجمعة 25/1/2002م، ونحن إذ نشكر لجلالتكم دعوتكم الكريمة، لنثمن عالياً جهودكم الحثيثة والمتواصلة، وتضامنكم الفاعل مع شعبنا الفلسطيني في نضاله العادل لإنهاء الاحتلال لأرضه ومقدساته المسيحية والإسلامية، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وإنني لأعبر لأخي صاحب الجلالة الملك عن صادق الامتنان على دعوتكم الكريمة، والتي كنت آمل من أعماق قلبي أن أتمكن من تلبيتها غير أن الظروف البالغة الدقة والحساسية
التي يعيشها شعبنا، وتمر بها قضيتنا حالت دون ذلك، ولا سيما في ظل التصعيد العسكري الخطير، والحرب التدميرية الشرسة، وسياسة الإرهاب المنظم التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أرضنا وشعبنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، وفق خطة مبرمجة أقرتها وأعلنتها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بهدف تدمير سلطتنا الوطنية، وفرض حلولها على شعبنا، وتكريس وتشريع احتلالها واستيطانها لأرضنا ومقدساتنا، والنيل من عزيمة وصمود شعبنا وتصميمه على الصمود أمام هذا الاحتلال الإسرائيلي، وليعيش شعبنا بحرية وكرامة في أرض الرباط في وطنه فلسطين، ونحن إذ نعرب، يا أخي صاحب الجلالة، عن عظيم ثقتنا بكم، وبسديد رأيكم وجهودكم القيمة، لنعوّل على دوركم ومواقفكم ومواقف إخواني ممثلي الدول المشاركين في إجتماع لجنة القدس لتوجيه رسالة واضحة وقوية للعالم أجمع، من خلال اجتماعكم هذا ومن خلال اتصالاتكم الثنائية، وخاصة للقوى الدولية الفاعلة والمؤثرة في العالم، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الروسي، ودول الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وكذلك الصين واليابان ودول عدم الإنحياز والدول الصديقة، لحثها على ضرورة العمل لوقف هذه الحرب التي تشنها إسرائيل قوة الاحتلال ضدنا، ولتوفير حماية دولية لشعبنا، وإيجاد آلية دولية تلزم إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين، وكذلك الاتفاقات المبرمة، وإنهاء احتلالها وإزالة الاستيطان من على أرضنا، لأن ذلك سيكون الضمانة الأكيدة والأساسية لبناء وتوطيد الأمن والسلام في المنطقة، كما و نعوّل كثيراً على تكثيف مساعيكم الخيرة، وجهودكم الأخوية الكريمة لحشد طاقات أمتنا المجيدة، ورص صفوفها لمواجهة هذه الحرب الهمجية، ورفع هذا الحصار والإغلاق الشامل والخانق المفروض على شعبنا، ومقدساتنا المسيحية والإسلامية والتي هي أمانة غالية في أعناقنا جميعاً.

كان بودي أن أكون معكم وبينكم لأنقل لكم صورة مشرفة لتضحيات شعبنا في وجه هذه الهجمة العسكرية الإسرائيلية، لقد قدم شعبنا أكثر من ألفي شهيد وأكثر من 42000 جريح على مدى سبعة عشر شهراً، وشلال الدم الفلسطيني لا يزال حتى الساعة يروي الأرض الفلسطينية الطيبة، فالعدوان الإسرائيلي علينا يزداد شراسة وضراوة ووحشية بعد أن وصلت الغطرسة الإسرائيلية إلى درجة إعادة إحتلال أجزاء واسعة من مناطق السيادة الفلسطينية وتطويق كافة المدن الفلسطينية في الضفة والقطاع وتطويق مقر القيادة في رام الله ومحاصرتها بالدبابات من كل جانب، ولا تبعد مدافع الدبابات الإسرائيلية عن مقر القيادة إلاّ عشرين متراً. وكما تعلمون فقد دمرت الطائرات المروحية الإسرائيلية مهبط طائرات الرئاسة في مدينة غزة، ودمرت المروحيات الخاصة بتنقلات الرئاسة، كما دمرت مطار غزة الدولي، التي ساعدتنا فيه المغرب الشقيقة، ومنشآت ميناء غزة التي جرى عملها مع الشركات الفرنسية والهولندية والإسبانية والألمانية وبقية الدول الأوروبية واليابانية وغيرها من الدول الصديقة التي ساعدتنا ببناء هذه المنشآت التي جرى تدميرها من الجيش الإسرائيلي، وقيامه مؤخراً بتدمير محطة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، وإستمراره بتدمير وتجريف منازل المواطنين في رفح وفي القدس الشريف وتشريد أبناء شعبنا الفلسطيني.

ولا يفوتنا في هذا المقام، يا أخي جلالة الملك، أن نعرب لكم عن عظيم اعتزازنا بأواصر الأخوة المتينة التي تربط بيننا، والتي نحن على يقين تام، بأنها تحظى بجليل عنايتكم ورعايتكم، مثلما نوليها جل عنايتنا ورعايتنا، مثمنين عالياً مواقفكم وتأييدكم وتأييد إخواننا في الدول الإسلامية وجميع المسيحيين والأصدقاء في العالم لحقوق شعبنا الفلسطيني العادلة في العودة وتقرير المصير، للعيش بسيادة واستقلال في الأرض المقدسة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد صلى الله علية و سلم ومهد سيدنا المسيح علية السلام ، مثله في ذلك مثل كافة شعوب ودول العالم.

نجدد لجلالتكم ولإخواننا ممثلي الدول المشاركين في هذا الاجتماع الهام للجنة القدس الشريف جزيل شكرنا وخالص عرفاننا، متمنين من صميم قلوبنا لهذا الاجتماع الهام برئاسة جلالتكم وتحت رعايتكم الملكية السامية، كل التوفيق والنجاح للخروج بالقرارات والتوصيات التي تخدم القدس الشريف، وتحمي مقدساتنا المسيحية والإسلامية وتحمي حقوق أمتنا فيها، ومع قضيتنا الوطنية العادلة، وراجين الله تعالى لكم دوام الصحة والسعادة، ولبلدكم وشعبكم الشقيق ولبلداننا العربية والإسلامية جميعها اضطراد الرفعة والتقدم والسؤدد في ظل القيادة الحكيمة والشجاعة.

(وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة)

صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مع الدعاء أن نلتقي سوياً في القدس الشريف بعونه تعالى. 


25/1/2002