خطاب ياسر عرفات أمام دول حركة عدم الانحياز يحذر من تداعيات الأزمة العراقية

2016-01-14

السيد الرئيس الدكتور محاضير محمد رئيس وزراء مملكة ماليزيا

رئيس قمة حركة عدم الانحياز

السيد الرئيس ثابو إمبيكي رئيس جمهورية جنوب أفريقيا

الرئيس السابق لقمة عدم الانحياز

السادة القادة المشاركون في قمة عدم الانحياز

السيدات والسادة والحضور الكريم

من فلسطين من الأرض المقدسة ومن قلب الحصار أخاطبكم، كم كان بودي ويسعدني، أن أكون معكم وبينكم في القمة الثالثة عشرة لحركة دول عدم الانحياز والتي تعقد في هذه المدينة الجميلة كوالالمبور، وإنني أشكركم جميعاً نيابة عن شعبنا الفلسطيني الصامد والمصمم على تحقيق استقلاله الوطني وممارسة سيادته في دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إن العدوان والاحتلال والحصار الإسرائيلي المفروض بقوة السلاح على شعبنا الفلسطيني، هو الذي حال دون وجودي معكم وبينكم، يا سيادة الأخ الرئيس، إن حركة عدم الانحياز هي الإطار الذي يجمعنا نحن شعوب ودول العالم الصغيرة والتي تشكل في الواقع الأغلبية، التي تواجهها تحديات كبرى على طريق تحقيق أهدافنا في الحرية والمساواة من أجل بناء عالم أكثر ديمقراطية وعدالة.

وكم كان بودي أن أكون معكم وبينكم، لأؤكد لكم بأنني وشعبي الفلسطيني المرابط سنبقى صامدين حتى بزوغ فجر الحرية بدعمكم ومساندتكم التي دأبتم عليها.

لقد تعرض شعبنا لمأساة تاريخية فريدة لا تخفى على الجميع منكم، حيث أقتلع أكثر من نصفه من أرضه وممتلكاته في عام 1948، وشرّد في شتى أرجاء الأرض، ينتظر تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194، وكما أنكم تعلمون بأنه قد مضى أكثر من خمسين عاماً على قرار الأمم المتحدة رقم 181 والداعي لإقامة دولة فلسطينية، إلاّ أنها لم تر النور حتى يومنا هذا، والأدهى من ذلك بأنه قد تم احتلال ما تبقى من أرضنا عام 1967، بما في ذلك القدس الشريف الشرقية، ومنذ ذلك الحين ونحن نواجه أبشع حملات الظلم والاضطهاد، والقتل والاعتقال والحصار، والتدمير على يد آلة الحرب الإسرائيلية.

وهنا، فإنني أدعوكم يا قادة حركة عدم الانحياز، إلى إرسال لجنة تقصي حقائق إلى وطننا فلسطين حتى تطّلع عن كثب على حقيقة ما يجري، وفي هذا السياق أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى أعضاء لجنة فلسطين، الذين تجسموا المشاق لزيارتنا والتضامن مع شعبنا، برئاسة وزيرة خارجية جمهورية جنوب أفريقيا.

سيدي الرئيس:

منذ 28 سبتمبر 2000 شنت إسرائيل، قوة الاحتلال، حملة إجرامية ضد الشعب الفلسطيني، طالت كل سبل الحياة من القتل المتعمد، والأسلحة المحرمة دولياً، دبلينتيد (اليورانيوم المستنفذ)، والغازات، والاستخدام المفرط للقوة، وأعمال الهدم والتدمير والاعتقالات والحصار الخانق، مما أدى إلى تدمير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وشل وتدمير مؤسسات الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، بما في ذلك القدس الشريف موئل الرسل، ومهبط الديانات وأرض الحضارات، التي يجري اغتيالها، ومحاولات الطمس لمعالمها الدينية المسيحية والإسلامية والتاريخية والحضارية.

إن الكثير مما سبق، يا سيدي الرئيس، يشكل دون أدنى شك جرائم حرب، وانتهاكاً لحقوق الإنسان الفلسطيني، وعلى المجتمع الدولي أن يضع حداً لها بتطبيق القانون الدولي في هذا المجال.

السيد الرئيس:

إنني أضع أمامكم قضية شعبنا الذي يدفع حياته ثمناً لحريته واستقلاله، وهو يواجه العقبة الكبرى المتمثلة في الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، بما في ذلك مصادرة الأراضي، ونقل مواطني قوة الاحتلال إليها وبناء المستعمرات، مما يشكل جريمة حرب بل جريمة ضد الإنسانية، إن إسرائيل قوة الاحتلال، مستمرة في انتهاك قرارات مجلس الأمن، وهيئات الأمم المتحدة الأخرى، مما يحتم علينا أعضاء حركة عدم الانحياز والمجتمع الدولي بأكمله، أن تترجم قراراتنا إلى إجراءات عملية من أجل الوقف الفوري لهذا الاستعمار الإسرائيلي والاستيطاني، وإنهائه بشكل كامل.

إن السياسة الإجرامية الواضحة لحكومة إسرائيل، هي تقويض لكل مبادرات السلام، بدءاً باتفاقات أوسلو التي لم تجد طريقها إلى النور، مروراً بتوصيات لجنة ميتشل ومقترحات تينت، وصولاً إلى خريطة الطريق، إن القيادة الفلسطينية بذلت الكثير من الجهد لإنقاذ عملية السلام، وحقن الدماء، واعتمدت موقفاً واضحاً دعت فيه مراراً لوقف كافة أشكال العنف، التي تستهدف المدنيين سواءً أكانوا إسرائيليين أو فلسطينيين، ولكنكم ترون ليل نهار وحشية الاحتلال الإسرائيلي، وجرائمه ضد المدنيين الفلسطينيين، وضد مقدساتنا المسيحية والإسلامية، وتدمير بنيتنا التحتية وسرقة وحجز أموالنا الضرائبية، وفرض الحصار الخانق علينا، في محاولة يائسة للنيل من إرادتنا وتصميمنا، وتمسكنا بسلام الشجعان، الذي وقعته مع شريكي الراحل يتسحاق رابين، الذي اغتالته العناصر المتطرفة المشاركة الآن في الحكم في إسرائيل.

ورغم كل ذلك، ما زلنا ملتزمين بالتسوية التفاوضية وملتزمين بحل الدولتين دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، إلى جانب دولة إسرائيل ضمن حدود عام 1967، وفي هذا الإطار فقد أقرت وتبنت القمة العربية في بيروت المبادرة السعودية للسلام الشامل بين العرب وإسرائيل، وكذلك المبادرة المصرية لوقف القتال والتصعيد الإسرائيلي مع جميع القوى الوطنية الفلسطينية.

ولكن كل هذه المبادرات لم تلق من إسرائيل، إلاّ الإهمال والازدراء، وفي هذا المجال إنني أرى بأن دول حركة عدم الانحياز، يمكن أن تلعب دوراً أساسياً وهاماً إذا ما اتخذت إجراءات عملية وواقعية.

السيد الرئيس:

إن الشرق الأوسط يقف اليوم على مفترق حاسم ومنعطف خطير، ينذر به شبح الحرب الذي يخيم على المنطقة بأسرها، مستهدفاً العراق الشقيق، بل ودول المنطقة كافة، مما يهدد استقرارها وأمنها وثرواتها، وإنني هنا أدعوكم إلى التحرك السريع والفوري على كافة المستويات، لتجنيب شعب العراق والمنطقة والعالم بأسره ويلات هذه الحرب المدمرة والاستمرار بالمساعي الحميدة عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

إن شعبنا الفلسطيني الذي يعاني أشد المعاناة من وطأة العدوان والاحتلال الإسرائيلي على أرضه وممتلكاته، سيدفع ثمناً باهظاً إذا ما اندلعت تلك الحرب، لأن حكومة إسرائيل هي المحرضة الأولى على هذه الحرب، كي تستغل انشغال المجتمع الدولي بها من أجل تنفيذ مخططاتها وتصعيدها العسكري ضد شعبنا بما فيها محاولة التهجير القسري لشعبنا، وتدمير ما تبقى من مؤسساتنا ومقدساتنا.

أحييكم من فلسطين أرض الرسالات ومهد الديانات، مكرراً لكم بالغ الأسف لعدم وجودي معكم، ومتمنياً لكم التوفيق والنجاح في خدمة الأمن والسلام الدوليين، ورفعة وتقدم حركة وشعوب عدم الانحياز.

وتحياتي وتمنياتي القلبية لجلالة الملك ترانكو سيد سراج الدين وفخامة الرئيس الدكتور محاضير محمد وللشعب الماليزي الشقيق. (ومعاً وسوياً حتى القدس حتى القدس)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته