كلمة السيد ماندلا مانديلا عضو مجلس النواب في جنوب إفريقيا في ملتقى الحوار الخامس الذي عقد في القاهرة 2019/2/27، متزامناً مع انعقاد الدورة الثانية عشر لمجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات.
اسمحولي أن اشارككم تجربتنا التحررية من أجل الاستقلال في جنوب افريقيا بالمقارنة مع التحديات والنضال من أجل الاستقلال التي يخوضها الشعب الفلسطيني. ويقول بروفيسور حمدي أن المساحة المتنازع عليها هي أولا وقبل كل شيء جغرافية وسياسية ولكنها ايضا ايديولوجية ونظرية. وقد ظهر هذا الموضوع جليا في الكتابات الأدبية والحياة اليومية للفلسطينيين.
يكمن الواقع الأليم في تفاصيل الحياة اليومية التي نعيشها نحن الطرفين، ولا يوجد اي حوار سياسي ممكن أن ينكر التقاطع بين قضيتينا في هذا الموضوع، ففي الحالة الفلسطينية نرى استمرار الاحتلال والتوسع الاستعماري العدواني ومعاناة 6 مليون لاجئ فلسطيني في الشتات والاف الأسرى القابعين في السجون الاسرائيلية وهذا يشمل النساء والأطفال بالاضافة إلى المحاولات الامبريالية لضم العاصمة الأبدية القدس والمعاناة اليومية والذل التي يتعرض لها الفلسطينيين أثاء مرورهم عبر الحواجز. وفي تشرين الثاني عام 1973، افتتحت الجمعية العامة للأمم المتحدة للتوقيع والتصديق على الاتفاقية الدولية لقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري . تعريف جريمة الفصل العنصري بأنها "اعمال غير انسانية ارتكبت انشاء وادانة هيمنة فئة عنصرية من الأشخاص على أية مجموعة عرقية أخرى أو أشخاص وقمعهم بشكل منهجي". ويتم تعريف جريمة الفصل العنصري من قبل نظام روما الأساسي لعام 2002 للمحكمة الجنائية الدولية عن الأفعال اللا إنسانية ذات الطابع المماثل لغيرها من الجرائم ضد الانسانية "التي ارتكبت في سياق نظام مؤسسي قائم على القمع والسيطرة بصورة منهجية من جانب جماعة عرقية واحدة على أي مجموعات أو مجموعان عنصرية أخرى وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام."
بناء على هذا التعريف أيها السيدات والسادة، يعتبر النظام الاسرائيلي دولة فصل عنصري وان الحوار المتمثل بتصنيف القسوة المتبعة يتطابق مع تعريف جريمة الفصل العنصري. لا يحتاج الموضوع أكثر من النظر لخريطة فلسطين المتقلصة حتى يفهم ما أقصد. فقد قرأنا في الأسبوع الماضي عن أكثر من أربع الاف موافقة جديدة على بناء وحدات استيطانية في القدس الشرقية فكم موافقة من هذا القبيل اعطيت للفلسطينيين؟ فأنا أؤكد لكم بأنه لا يوجد شك حول اجابة هذا السؤال.
اسرائيل بالتأكيد هي دولة فصل عنصري تقوم على القضاء على كل ملكية أراضي للفلسطينيين. فأنا زرت فلسطين المحتلة لأول مرة في نوفمبر 2017 وكان انطباعي الأول هو أن ما شهدته أسوأ من اي تجربة مررت بها في جنوب افريقيا. ولم أكن الوحيد الذي يشهد على ذلك فقد شاركني رأيي كل من أحمد كاترادا، وديسموند توتو، و الرفيق روني كاسريلز، وزير الدفاع السابق ووزير المخابرات في جنوب افريقيا. كما وصل إلى نفس النتيجة التجمعات النقابية لجنوب افريقيا كالمؤسسات غير الحكومية ورجال الدين أثناء زيارتهم لفلسطين بأن اسرائيل هي دولة فصل عنصري.
حتى قوانين الفصل العنصري في اسرائيل زادت عن الحد من ذلك، فقد نشر في صحيفة الاندبندنت ومصادر صحافية أخرى بأن اسرائيل تبنت 50 قانون عنصري ضد الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين. فهم يعرفون انفسهم كدولة يهودية ولكن ديمقراطية في نفس الوقت. منذ تأسيس دولة اسرائيل في عام 1948 حتى عام 1966، عاش المواطنون العرب في اسرائيل تحت حكم عسكري شديد، وكانوا يعاملون كأعداء للدولة وفرض عليهم منع تجول حيث أنهم لم يكن باستطاعتهم مغادرة بلدانهم الأصلية. واليوم هناك تمييز صارخ ضد الفلسطينيين في مجال التعليم والصحة والخدمات القانونية. على سبيل المثال، منذ عام 1948 تم بناء 600 بلدة جديدة لاسرائيل في حين انه لم يتم حتى الاعتراف بالبلدات الفلسطينية القائمة اصلا أو تطوير مدن جديدة. وهذا يشبه كثيرا ما عشناه في جنوب افريقيا.
ولا يقتصر التمييز العنصري الاسرائيلي على ذلك وانما يشمل ايضا اعتقال القيادات السياسية والقاصرين، وتعذيب السجناء السياسيين، ولا يوجد حريات اساسية حتى حرية الحركة مقيدة ناهيكم عن المتابعة الاستخباراتية السرية للحياة السياسية اليومية للناشطين وهذا ايضا يشبه دولة الفصل العنصري السابقة في جنوب افريقيا.
يوجد بصمة اسرائيلية واضحة حول كل الجهود لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ونحن نؤمن بأن نهاية الدولة العنصرية الاسرائيلية سيكون لها نفس المصير كدلة العنصرية في جنوب افريقيا. فقبيل اعتقال جدي نلسون مانديلا في عام 1962 زار حوالي 16 دولة افريقية تشمل مصر، اثيوبيا، والجزائر حيث تلقى تدريبة العسكري ولكم الأهم من ذلك هو حشد الدعم والتأييد لنضالنا من أجل الحرية. وخلال هذه الرحلة قام يزيارتين للمملكة المتحدة للقاء كوادر في الشتات، لذلك اود حث الفلسطينيين في الشتات على الاستمرار على هذه الخطى وأن يكونوا سفراء لنضالهم في كل أماكن تواجدهم. فواحدة من اهم الاعمدة والركائز لنضالنا التحرري هو أن كادرنا في الشتات استطاع تنظيم قوته برغم الظروف الصعبة.
وقد تم اغتيال الرفيق دولسي سبتمبر في شوارع باريس وجرح وشوه أخرين في المكان. ولكن هذا لم يردع تطور قوة الحركة العالمية ضد الفصل العنصري وخنق نظام دولة جنوب افريقيا العنصري وعزلة عن المجتمع الدولي. يجب استثمار كل فرصة لاظهار النضال الفلسطيني بقوة أكبر. فإن عمل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات يجب ان يحترم ويستمر ويجب أن يبقى في المسار الصحيح. فقد وضع جدي أثناء حواره مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا ثلاثة شروط للانتقال السلمي للديمقراطية: أن يتم التفاوض بوجود جميع الأحزاب السياسية، الافراج عن كافة الأسرى وضمان حق العودة لكل الموجودين في الشتات. يجب أن لا نريح نظام الفصل العنصري في اسرائيل طالما هم مستمرون في ممارسة الفصل العنصري بأبشع صوره. يجب أن نبني على تجربة جنوب افريقيا في انجلترا حيث قام عمال المينا برفض تفريغ حمولة وصلت من جنوب افريقيا فيجب أن نقاطع كل منتج قادم من اسرائيل العنصرية سواء كان منتج عادي أو اسلحة. ويجب أن نحث العالم على حصار عسكري ضد نظام التمييز العنصري في اسرائيل.
لا يمكن اعتبار كلماتي ذات مغزي حول التقاطع في تجربتينا دون التأكيد على قضية الوحدة الوطنية. فنحن ندين بشكل كبير لكافة النساء والرجال حول الالعالم تحديدا الناشطين في حركة مناهضة العنصرية العالمية التي ساهمه في عزل نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا دوليا. لو كان جدي ما زال حيا مع زعماء جنوب افريقيا لشكروا هؤلاء الناشطين فردا فردا او جماعيا، فلكل الحاضرين هنا أو حتى غير الحاضرين نحن نشكركم من القلب وسنبقى مديونين لكم.
وكنت الوحدة واضحة بين كل التشكيلات السياسية المنظمة في حركة ديمقراطية واحدة وتأسيس الجبهة الديمقراطية الموحدة التي ضمت كل الديانات، العمال، رجال الأعمال، الطلاب، الاكاديميين ومن كافة الحقول الأخرى. فيجت علينا بذل كل جهد ممكن من اجل الوحدة.
السيدات والسادة
الرفاق والأصدقاء
دعوني أجمع بين نضال الشعبين الفلسطيني وشعب جنوب افريقيا العادل ولنجعل مصير نظام الفصل العنصري الاسرائيلي ينال نفس نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.
يجب علينا أن نضغط على المنطقة كلها، أفريقيا وحلفائنا في حركة عدم الانحياز والمجتمع الدزلي الأوسع لدعم مقاطعة إسرائيل وعزلها حتى تسود العدالة والسلام وحقوق الإنسان.
وكما قال متيما "السلام والازدهار والأمن لا يمكن تحقيقهما إلا إذا تمتع الجميع بهما دون تمييز"
عاشت روح الرفيق ياسر عرفات
عاشت روح الرئيس مانديلا